انفصال جنوب اليمن سيؤدي إلى كارثة
الأحد 24 مارس، 2013
نشرت في صحيفة الوطنية، ويمكنك قراءتها هنا.
بدأت اليوم فعاليات مؤتمر الحوار الوطني، بعد تأخير انطلاقه لعدة مرات، وهيمن على جدول أعماله "القضية الجنوبية"، والتساؤل عن انفصال الجنوب من عدمه، خاصة بعد أن عبر الحراك الجنوبي عن عدم رضاه عن الحوار. ومن المهم الإشارة الى أن الحراك يملك 85 مقعدا في الحوار، لكن عددا من فصائل الحراك وضحت في بيان مشترك يوم 21 مارس 2013 ان 85 ممثلا لا يمثلون بشكل فعلي مطالب الحراك الجنوبي. وأكدوا أن أي سيناريو لا يضمن التمثيل الكلي للحراك في الحوار ينذر بكارثة ستهدد أمن اليمن وستؤدي في نهاية الامر لخسائر في أرواح اليمنيين، وسيجعل من الحوار الوطني غير ذي جدوى إذا غيبت عنه قيادات الحراك. ففي الشهر الماضي فقط أعلنت الحكومة عن أربع حالات وفاة نتيجة للاشتباكات بين الحراك والسلطات المحلية في مدن الجنوب.
كما أن الرئيس عبد ربه منصور هادي -في الأصل من الدخين، وهي قرية في جنوب - قام في يوم 23 فبراير بأول زيارة له إلى عدن، كإقرار بمطالب الحراك.
لقد كان الرئيس السابق علي عبد الله صالح بعد الحرب الأهلية عام 1994، يتجاهل باستمرار مطالب الجنوب، كنوع من الانتقام، لكون الحيث عن الانفصال من قبل فصائل جنوبية كان حاضرا في ذلك الوقت، وفي الفترة 2007-2011، اكتسبت مطالب تلك زخما لكنها افتقرت الى التنسيق الفعال فيما بينها مما جعلها غير قادرة على تهديد وحدة اليمن.
ولكن في الوقت الحاضر تشكل القيادة المجزأة للحراك مشكلة للوحدة الوطنية: فإذا عجزت قيادات الفصائل عن الحديث، والعمل معا فإن جهود الحوار ستقوض، وتنتهي الى فوضى. فالانفصال في حد ذاته لن يخدم اجندات الاستقلال المختلفة للفصائل المنقسمة؛ بل إنه سيؤدي إلى قيام كيانات إقليمية ضعيفة، ومتناحرة.
ان الاستجابة للمطالب المشروعة للمحافظات الجنوبية من قبل الحكومة اليمنية قد تأخر وكان من المفترض إنجازه قبل فترة طويلة، فجهود تسوية المطالب لن يتم بالسهولة أو بالسرعة المطلوبة.
أما التوافق الضعيف الحالي بين فصائل الحراك فهو نتاج لتحالف مؤقت، فعمليا ما يوحد تلك الفصائل يتلخص في الهدف المشترك المتمثل في الانفصال، والعدو المشترك المتمثل في الحكومة المركزية، حيث أن أعضاء الحراك الجنوبي يؤمنون بأنهم تحت الاحتلال.
وكما يوضح المثل الجنوبي "اقلع البصل، وأغرس الثوم" يشير إلى بقاء الوضع رغم ثورة التغيير على ما هو عليه، من صراع على السلطة في الجنوب مهما حصل من تغييرات خادعة في القيادات، وهذا يمثل مؤشرا لما سيحصل في المستقبل في حال تم الانفصال.
لقد تم تقسيم الجنوب منذ أيام الاحتلال البريطاني، أثمر عن صراعات على السلطة في محافظات حضرموت وأبين ولحج امتدت حتى بعد نيل الاستقلال في عام 1967.
وعلى مدى العقدين الماضيين، تعاقب على دولة الجنوب ستة رؤساء، تولى البعض منهم مقاليد الحكم سلميا بينما تطلب صعود آخرين اراقة الدماء، ولكنهم مهما تنكروا في صبغة أيديولوجية أو سياسية معينة كان توجهاتهم ممزوجة بصبغة قبلية وسيطرة طموحهم الشخصي.
وفي يونيو من عام 1969، أدى الانقلاب سلمي الى إزاحة قيادة العسكريين، بالإضافة الى تغيير التوازن الإقليمي في المناصب العليا، ولكن في يناير كانون الثاني عام 1986، وقعت انشقاقات "أيديولوجية" داخلية في الحزب الاشتراكي اليمني، ونتج عن ذلك تضرر المناطق التي ينتمي اليها من خسروا داخل الحزب، وفي المقابل استفادت مناطق أخرى بناء على ولاءاتها القبلية.
ولا تزال تلك الانقسامات تلقي بظلالها، حيث ان معظم قادة الحراك الحالي أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وهم من جعلوا الحزب الاشتراكي اليمني وسيلتهم إلى السلطة، والآن يفعلون الشيء نفسه مع الحراك.
ان الصراعات الشخصية تكاد تعصف بقيادة الحراك، حيث لم يستطع أحدا منهم تقديم خطة انتقالية محل اجماع. وفي حال حدث الانفصال عن حكومة الشمال فسيزداد الأمر سوء، وبدلا من السعي لبناء دولة قوية ومتماسكة في الجنوب سنجد القادة يتجهون لإنشاء كيانات سياسية أصغر.
وسنجد أفراد من أبناء الجنوب كالزعيم الاسلامي طارق الفضلي يأمل في استعادة سلطنته، وبالنسبة له ولكثيرين مثله سيمثل الانفصال فرصة ذهبية. ونجد البعض داخل الحراك يتوقون علنا لاستعادة أمجاد "الأيام الخوالي"، في حين أن آخرين ما يرسمون أهدافا آخرى لا يفصحون عنها. وماهي الا مسألة وقت ثم تقوم الأسر القوية التي كانت تتمتع بالنفوذ بطلب حقهم في السلطة، وخاصة إذا تمكنوا من تحقيق الانفصال.
كما سنرى من يسعى لاستعادة السلطنات القديمة، والبعض الأخر سيفضلون الإمارات القبلية، تبعا لأسلافهم. أما من عايشوا وآمنوا بالإسلام السياسي خلال السنوات القليلة الماضية، فمن المرجح سعيهم لاقامة الخلافة الإسلامية أو المطالبة بحكم يتبنى تنفيذ صارم لأحكام الشريعة الإسلامية.
ومع غياب دور الحكومة المركزية، فسنجد القاعدة في جزيرة العرب وأنصار الشريعة تهديدا يحاول السيطرة على أجزاء من الجنوب.
يتميز سكان المحافظات الجنوبية بتنوعهم الثقافي، فبمرور الوقت انشأت قرى جديدة، وتوسعت القرى القديمة، مما سبب تداخلا سكانيا أذاب كثيرا من الهويات المميزة لبعض العرقيات، ورغم ذلك لا يزال هناك الكثيرين ينادون بحماية المناطق المميزة.
وعطفا على كل ما سبق، نخلص الى انه بعد انفصال الجنوب ستنشأ العديد من الدويلات الصغيرة، تحتكم الى السلالية والطبقية.
ربما تستطيع حكومة الرئيس هادي إقناع من يعارض الانضمام إلى الحوار، ونظرا لطبيعة الحوار المرنة يمكن إضافة المزيد من المقاعد للحراك، لكن في الوقت نفسه يجب عليهم مراجعة خياراتهم والمشاركة الفعالة في الحوار إذا كانوا يسعون بجدية لما يحامون به من "تحرير".
ومن أجل الجنوب يجب على الحراك التسليم بالحوار والتوصل إلى تسوية، ففكرة الانفصال لن تحل مشاكل الجنوب وليست سوى ضربا من الوهم يتذرع بها عدد قليل ممن يطلبون السلطة لأنفسهم. وعليه فان خيار الانفصال يمثل كارثة، وبرغم أن الحوار لا يحمل في طياته أي ضمانات، الا أنه يبقى أفضل الخيارات المتاحة.