الإشادة بالعملية الانتقالية في اليمن كنموذج يحتذى به يفتقد الى الواقعية

سماء الهمداني

نشرت صحيفة الوطني في 26 فبراير 2014 وتم تحديثه في: 26 فبراير 2014

احتفل اليمنيين وتظاهروا الأسبوع الماضي في وقت واحد بمناسبة الذكرى الثالثة لثورة عام 2011، حيث كانت البلاد على حافة الهاوية، واليوم يبتهجون بقرب الانتهاء من عملية الانتقال "السلمي"، وما يرونه من تحول تاريخي من الدكتاتورية إلى الديمقراطية. بينما الحقائق على الأرض تختلف عما يرونه بكثير.

فبغض النظر عما يراه اليمنيين بمختلف أطيافهم من فشل الثورة أو نجاحها، فإن معظم الاستنتاجات مبنية على افتراضات غير صحيحة. فالعديد من الانتهاكات في اليمن لا تروى، وآلاف المتضررين منها لا زالوا يئنون من وطأة الظلم الوخيم.

ومنذ شهر اغسطس اليمنيين واليمنيون يعانون الأمرين الأزمات المركبة وما يصاحبها من انقطاع للماء والكهرباء، والتي تعتبر أكثر ايلاما من انفجارات القنابل وتبادل إطلاق النار الذي يحدث بين الحين.

أبان الثورة، كانت صنعاء تنقسم إلى مناطق تسيطر عليها ثلاث شخصيات قبلية رئيسية ممن استغلوا الفراغ الحاصل بإسقاط نظام الحكم السابق، ونتيجة مباشرة لسوء إدارة المرحلة الانتقالية التي لم تعالج مشكلة ميزان القوى الذي اتاح للاعبين جدد بمنازعة سلطة الدولة.

في شهر واحد، تم استهداف مستشفى عسكري من قبل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وأسفر ذلك عن مقتل 52، معظمهم من المدنيين أطباء ومرضى. تزامن ذلك الحدث مع ضربة لطائرة بدون طيار على موكب زفاف أسفر عن مقتل 17، واغتيال ثلاثة شخصيات سياسية، وهدد عدد من المفكرين لخطابهم، وتمت مهاجمة موقع للغاز الطبيعي المسال بمتفجرات صاروخية، وتعرض أحد المشايخ الجنوبيين النافذين لإطلاق نار في نقطة تفتيش عسكرية، وانفجرت سيارة مفخخة في قلب العاصمة صنعاء، وضربت قذائف مدفعية على مجلس عزاء لعضو في الحراك الجنوبي في محافظة الضالع.

لقد شهد النسيج الاجتماعي اليمني الهش أصلا تدهورا اضافيا، ضاعف منه انهيار الأعراف القبلية. حيث لم يعد الأجانب هم هداف المختطفين، بل أصبحت ظاهرة الاختطاف تتهدد أطفال رجال الأعمال البارزين، وأعضاء الحوار الوطني الذين أخذوا كرهائن، وفي سابقة خطيرة في الآونة الأخيرة، خطفت النساء من أسر بارزة لإلحاق العار بذويهن.

كما واجهت الكثير من الجهات الحكومية عوائق في أداء مهامها، وتعرضت المطارات والموانئ البحرية لإغلاقات عشوائية نتيجة للاحتجاجات.

وأصبح "النموذج الديمقراطي" اليمني يملأ حياة اليمنيين اليومية بالعقوبات.

وفي ظل الغياب الواضح لسيادة القانون وغياب المساءلة، أصبحت اليمن تتمثل وصف إيمانويل كانت لل"دولة البربرية"، كدولة تديرها مجموعة عصابات وزعامات فردية تحت مسمى الحكومة.

ومجمل الوضع يوحي برسالة واضحة عن مدى رخص حياة الإنسان وأن ما يسقط من ضحايا هم مجرد أرقام، وفي أي لحظة، يمكن أن يسقط الشخص في معركة بالأسلحة النارية، ويعتبر الأمر خطأ غير مقصود وربما لا يتم محاسبة أحد.

ونجد اليوم، أن اليمنيين تتعدد مذاهبهم في معتقداتهم، وانتماءاتهم الجغرافية والعرقية والقبلية ونهجهم السياسي -لكنهم مجتمعين يشكون من القلق، والمضايقات، وانعدام الأمن والاكتئاب، ورغم أن الكيل طفح بهم الا أنهم لازالوا يؤثرون الصمت والتسامح.

والآلاف من الشباب العاطلين عن العمل لا يغمض لهم جفن، واستعانوا بتخزين القات لعله ينسيهم مشقة النهار. ويتساءل الكثير من منهم سيقتل في الأيام القادمة، وعما إذا كانت تقلبات الاحداث العشوائية ستسمح لهم ان يروا نور اليوم التالي. تلك الأفكار تراود اليمنيين، لكنهم يحاولون البقاء بشكل طبيعي قدر الإمكان.

كما نجد أولئك القادرون على مغادرة البلاد في كثير من الأحيان يزعمون أنهم "أخيرا تنفسوا الصعداء" أو أنهم كانوا يجهلون ما يعانونه من "الأعباء". كل ما ذكر يعبر عن مخاوف تدمر نفسية اليمنيين، وتجعلهم يبحثون عن مبرر للبحث عن حماية في ظل غياب سيادة القانون.

هناك تناقض واضح بين ما يتم تسويقه من إنجازات للمرحلة الانتقالية صيغت خلف الأبواب المغلقة، والحقائق على أرض الواقع. فما بين ما يتم تسويقه ادعاءات كاذبة والوضع البائس لليمنيين بون شاسع، وستزداد الأمور سوءا كثيرا قبل أن يطرأ أي تحسن. فهناك العديد من الحركات الانفصالية، ذات نفوذ قوي في الجنوب، ونذر حرب في الشمال طمعا في السلطة والمرجعية الدينية، وعامة اليمنيين في خطر من آفة التطرف.

وأصبح أولئك الذين ناضلوا سلميا من أجل دولة مدنية في عام 2011 قد يضطرون لاستخدم العنف لاستعادة الدولة التي حلموا بها.

فالمجتمع الدولي قد أقر حلولا نظرية لتنفيذها خلال الفترة الانتقالية، لكنها لم تأخذ بكل المعطيات المطلوبة لتحقيق الديمقراطية التي حلم بها اليمنيين. وما فرضه مجلس الأمن الدولي من عقوبات هي مغامرة قد لا يحمد عقباها في هذه الفترة الحرجة. فبدلا من ردع المعرقلين لعملية الانتقال السياسي، قد يؤدي وضع اليمن تحت البند السابع الى تعزيز الفوضى القائمة، ويغفل ما يرتكب من انتهاكات غير سياسية.

ومع ذلك، ولا يزال هناك بصيص أمل: بأن العالم سيدعم تطلعات اليمنيين المشروعة. واليمنيين بأمس الحاجة إلى التفاؤل وعدم اليأس مهما كانت الإخفاقات السابقة، والايمان بأنهم فقط يملكون خياراتهم وتقرير مستقبلهم. وفي الوقت نفسه، يجب ممارسة الضغوط الداخلية والخارجية الحكومة لإنصاف كل المتضررين من الاحداث السابقة.

وأختم بالقول، أن الحلول الفعلية هي نتاج لمعالجة ما أوصي به نظريا مع ما يحدث أرض الواقع.