مشاكل كبيرة في عدن الصغيرة

٣١ يناير ٢٠١٨

كانت مدينة عدن تبدو ظاهريًا البقعة الوحيدة في اليمن التي يمكن الحديث بشأنها فيما يخص إعادة اعمار فيما بعد النزاع، خاصة وأنه تم اعلان تحريرها من الحوثيين منذ 22 يوليو/تموز 2015. أيضا، بدا سكان المدينة متوحدين، حيث أن غالبيتهم العظمى من الجنوبيين السنة المعادين للحوثين/صالح. لكن الصراع انتقل الآن ليكون بين “الحلفاء” في عدن، ليس على المستوى المحلي فحسب، بل أيضًا على المستوى الإقليمي، حيث صار الانقسام مبنيًا على زعم أن حكومة الرئيس عبد ربه هادي منصور “فاسدة”.

خلال أيام قليلة، قام المجلس الانتقالي الجنوبي بتطويق الإدارة المعترف بها دوليًا في منطقة المعاشيق، واستولت على مقاليد المدينة، باستثناء قصر الرئاسة. ويعد المجلس الانتقالي الجنوبي آخر المجموعات التي ظهرت تحت مظلة الحراك الجنوبي، أو الحركة الانفصالية الجنوبية، ويمثل هذا النزاع محاولة لإجبار الرئيس على استبدال الحكومة الحالية، ورفض وجود الرموز الشمالية في الجنوب.

وقد وردت تقارير حول سقوط أربعين قتيلًا حتى الآن نتيجة صراع القوة هذا بين القوات الجنوبية المدعومة من الإمارات العربية المتحدة وتلك المدعومة من المملكة العربية السعودية، حول الموضوع الجوهري؛ استقلال جنوب اليمن. خلال الأيام القليلة الماضية، قام المجلس الانتقالي الجنوبي بمد نفوذه في الجنوب بقوة، إلا أنه أحجم عن إعلان الرئيس هادي رئيساً “غير شرعي”.

والانتقادات التي يوجهها المجلس الانتقالي للحكومة ليست بلا أساس. فقبل أسابيع قليلة فحسب، فقد الريال اليمني أكثر من 130٪ من قيمته منذ بدء الحرب التي يشنها التحالف العربي في اليمن في عام 2015. ذلك بالإضافة إلى عدم قدرة حكومة الرئيس هادي على إعادة الحياة لطبيعتها في مدينة عدن، مما دفع المجلس الانتقالي إلى عقد مؤتمر في 25 يناير/كانون الثاني، طالب خلاله الرئيس بإقالة رئيس الوزراء أحمد بن داغر.

ومنذ عام 2015، قام الرئيس هادي – الذي تنحدر أصوله نفسه من الجنوب – بتعيين شخصيات غالبيتها جنوبية. بعض هؤلاء هم من غلاة الانفصاليين، في محاولة من هادي لتهدئة الانفصاليين ومد السيطرة على الجنوب، بعد التخلص من الحوثيين. خلال تلك الفترة، كانت عناصر من الحراك الجنوبي تطور تقاربًا وثيقًا مع الإمارات العربية المتحدة. في أبريل/نيسان 2017، ولأسباب غير معلنة، قرر الرئيس هادي تعيين مسئولين حكوميين جدد في الجنوب. وقام المسئولين الذين أُخرجوا من الحكومة بتشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي.

ويضم المجلس بين أعضائه عدد من كبار المسئولين السابقين، بما في ذلك محافظي الضالع وشبوة وحضر موت ولحج والمهرة وسُقُطْرَى. ويرأس المجلس الجنرال عيدروس الزبيدي، والذي كان محافظًا لعدن (منذ ديسمبر/كانون الأول 2015 حتى أبريل/نيسان 2017)، وقائدًا سابقًا لإحدى ميليشيات الضالع. أما نائبه هاني بن بريك، الانفصالي الجنوبي، فهو زعيم حركة سلفية ذات شعبية في الجنوب. كلاهما يشكلان قيادة القاعدة الشعبية للحراك الجنوبي.

وتشكلت الحركة الانفصالية الجنوبية عقب الحرب الأهلية بين شمال وجنوب اليمن في عام 1994. واكتسبت الحركة زخمًا في عام 2007، حين عرضت جمعية أبناء ردفان، أو المجلس الشعبي لردفان، توحيد الحركات الانفصالية الجنوبية العديدة من أجل تعزيز قضيتهم العامة. وفي عام 2011، منحت الثورة قوة للحركة الانفصالية في الجنوب، مع الجهود التي بذلت لإسقاط الرئيس السابق علي عبدالله صالح. أدى توجه صالح لتوحيد اليمن إلى تحقيق عكس هذا الهدف: فبدلاً من التقريب بين عناصر الشعب، تفاقمت الخلافات بسبب محاولة صالح السيطرة على البلاد من خلال التحالفات السياسية والقبلية.

اليوم، يحمل المجلس الانتقالي لواء الحراك الجنوبي، مطالبًا بتوجه واضح نحو الانفصال في أي اتفاق مستقبلي، ورافضًا أي وجود للقوى الشمالية في الجنوب. إلا أن حكومة هادي ترغب في الحفاظ على تصور أن عدن ستكون إحدى الأقاليم الفيدرالية ضمن اليمن الموحد، استنادا لنتائج مؤتمر الحوار الوطني. بعض الأحزاب السياسية، مثل الإصلاح وبعض عناصر المؤتمر الشعبي العام، تؤيد تصور الحكومة بالإبقاء على اليمن موحدًا.

بينما يبقى هدف الحفاظ على وحدة اليمن هو النتيجة الأكثر تفضيلا، نجد ما يسمى بالتحالف العربي يعاني من الانقسامات، وقد انخرطت عناصره في قتال بعضها البعض في الجنوب. بعبارة أخرى، نقل الداعمون العرب تسوية الخلافات بشأن مصالحهم الجيوسياسية عبر الوكلاء في اليمن. هي ليست حرب كاملة، لكنه استعراض دائم للقوة بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة “الشرعية” على الأرض. ولو ترك الأمر لقدرات الحكومة وحدها بدون الدعم الدولي، لكانت الحكومة فقدت بسهولة سيطرتها على البلاد.

وهذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها هادي وحكومته بالتصرف بناء على الأوامر التي يتلقونها. ومنذ توليه منصبه، أخفق هادي في خلق حكومة قادرة على توفير الخدمات الملائمة والتجاوب مع المظالم. ففي عام 2012، حين تولي هادي منصب الرئيس، رفض الكثير من المحافظين والموظفين الحكوميين، اللذين كانوا يدينون بالولاء للرئيس السابق صالح، تسليم مواقعهم لهؤلاء اللذين تم تعيينهم ليحلوا محلهم. وفي ظل انتشار الفساد والتضخم، استغل الحوثيون الغضب الشعبي للاستيلاء على العاصمة صنعاء.
وحين تم اعتبار الجنوب منطقة محررة من الحوثيين، لم ينجح الرئيس في العودة إلى اليمن، بل بقي مقيمًا في الرياض بدلًا من ذلك، كما أن بعض التقارير أفادت بأنهتحت الإقامة الجبرية. وحتى في الوقت الحالي، بعد أن قام المجلس الانتقالي الجنوبي بتأمين عدن، ذكر العميد مهران القباطي، وهو من الحرس الرئاسي، أن القوات الحكومية قد استعادت السيطرة على منطقة دار سعد في الثكنات الشمالية لعدن بفضل التدخل السعودي المباشر. ومن المستبعد أن ينفرط التحالف بين الإمارات والسعودية بسبب صراع القوة هذا، إلا أنه من الواضح أن كلا الدولتين لن تتردد في استخدام شركائها اليمنيين على الأرض لتكون لها اليد العليا هناك.

وتبدو رؤية التحالف العربي لمستقبل اليمن غير محسومة. فمن ناحية، شكلت الإمارات تحالفًا حقيقيًا مع المقاتلين اليمنيين، واستثمرت في إعادة بناء عدن بأكثر من مجرد وعود بمبالغ مالية كبيرة. ويشعر الإماراتيون أنه يجب أن يكون لهم مشاركة أكبر في تقرير ما يحدث، وفي تحديد مع من تتشكل التحالفات السياسية. ويبدو أيضًا أن نقطة الإبقاء على وحدة اليمن ليست شاغل الاماراتيين الرئيسي. من ناحية أخرى، تتبنى السعودية سردية الأمم المتحدة، وترغب في استئناف العملية الانتقالية التي بدأت بعد الثورة في عام 2011، وقبل بدء الحرب في عام 2015. وفيما عدا التصدي للوجود الإيراني واستعادة “الحكومة الشرعية” في اليمن، لا تبدو للسعودية أهداف أخرى واضحة غير الإبقاء على المسار الأممي الذي يبقي على وحدة اليمن.

وهذه ليست المرة الأولى التي يشير فيها اليمنيون للمجتمع الدولي أن الحكومة اليمنية تحتاج إلى كسب الاعتراف على المستوى المحلي، من الشماليين كما الجنوبيين. ما لم يتم تشكيل حكومة جديدة قادرة على تلبية المطالب الشعبية، لن تكون هناك ثقة بين المواطنين والدولة. وخلال الأعوام القليلة المقبلة، سيتخبط اليمن في مواجهة أزمة إنسانية غير مسبوقة، وإذا لم تكون هناك حكومة على مستوى ذلك التحدي، سيظل اليمنيون يتكبدون المعاناة. ولن يكون الحكم عن طريق المراسيم فحسب كافيًا، كما لن تتمكن الكيانات غير الحكومية من الانتشار والتأثير في تلك الدولة الهشة.