أدوار اللاعبين المحليين في الحروب الدائرة في اليمن
كتابة سماء الهمداني، وادم بارون، وماجد المذحجي
:خلفية
بينما تستمر الحرب الأهلية في اليمن، أصبح من الضروري أن يتم توسيع فهم وإدراك المجتمع الدولي وصُناع القرار المحليين والقادة الأمنيين والعسكريين لكل من الفاعلين المحليين في اليمن وديناميكية التعامل فيما بينهم من أجل تسخير الجهود وجمع جميع هذه الأطراف على طاولة الحوار للتفاوض حول اتفاقية سلام مستدام. و في حال غياب ذلك، فإن اليمن في خطر الإستمرار في كارثة إنسانية ذات أبعاد مرعبة.
هذه الورقة هي الحلقة الثانية من سلسلة أوراق سياسات يصدرها مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية بالشراكة مع مؤسسة فريدريش ايبرت والتي تهدف لتقديم فهم أفضل حول الأزمات المتعددة في اليمن حالياً.
:السياق الحالي
إستولت جماعة الحوثي بالقوة، (جماعة دينية شيعية متمردة) على العاصمة صنعاء في سبتمبر من العام 2014، ولقد تعرضت هذه الجماعة سابقاً لست حروب وحشية شنها عليها نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وبسبب ضعف مؤسسات الدولة بعد تنحي صالح وفي وسط الفراغ السياسي في سلطة الحكم عقب إنتفاضة 2011 في اليمن وخلال فترة ثورات الربيع العربي، بدأت هذه الجماعة بالنمو، حتى أنها قامت بتأسيس دولة فعالة داخل الدولة عندما خرجوا من مركزهم في أقصى شمال اليمن (محافظة صعدة ) وتمددوا جنوباً, عقب استيلائهم على العاصمة صنعاء، تم التوقيع على إتفاقية أبرمتها الأمم المتحدة، "إتفاقية السلم والشراكة" والتي اشترطت تشكيل حكومة جديدة, وبالرغم من تنفيذ ذلك، إلا أن بعض التوترات ظهرت بين الحوثيين والحكومة الجديدة بعد فترة قصيرة جداً، وانتهى المطاف بفرض جماعة الحوثيين الإقامة الجبرية على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والعديد من أعضاء مجلس الوزراء.
تفاقمت هذه التوترات عند تقديم الرئيس هادي إستقالته بتاريخ 21 يناير 2015 عقب خطف جماعة الحوثيين لمدير مكتبه والأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني الدكتور أحمد بن مبارك. وبعد ذلك بشهر واحد، كسر الرئيس هادي الإقامة الجبرية ولاذ بالفرار إلى مدينة عدن في جنوب البلاد، حيث أعلن تراجعه عن إستقالته. وصل الوضع إلى نقطة تحول مفصلية عندما إستخدم الحوثيون القوات الجوية في صنعاء وقصفوا القصر الرئاسي في عدن في 19 مارس 2015. كان ذلك بداية سيطرة الحوثيين على معظم محافظة عدن وإعتقال اللواء محمود الصبيحي، وزير دفاع هادي، الذي تمكن على التو من مغادرة الاقامة الجبرية في صنعاء. بعد ذلك فر الرئيس هادي إلى المملكة العربية السعودية وقام بتشكيل حكومة مصغرة من المنفى بالرياض.
كان لإندلاع هذا التمرد دور في توسع العنف في جميع أرجاء البلاد، وخاصة عقب إنطلاقة عاصفة الحزم بقيادة المملكة العربية السعودية في 26 مارس 2015، ونتج عن ذلك حملة واسعة من القصف والحصار البري والبحري والجوي على اليمن وتسليح الجماعات المناهضة للحوثي، وكل ذلك بهدف إجبار الحوثيين على التراجع واستعادة شرعية هادي حسب تصريحات الرياض. كما تركزت المعارك البرية بين الحوثيين والمقاومة الشعبية في كل من مدينة عدن ولحج والضالع ومأرب وأبين وتعز أيضاً. وبالرغم من عدم تجانس كل أطراف المقاومة، إلا أنه تم تشكيلهم من أطراف محلية فاعلة ذات مصالح تنافسية مختلفة ومتكاملة في نفس الوقت.
الفاعلون المحليون
:جماعة الحوثيين
تُعرف جماعة الحوثيين بمسمى " أنصار الله" وتنتمي إلى المذهب الزيدي الشيعي والذين يمثل قرابة ثُلث سكان اليمن، وتتكون جماعة الحوثي، والتي هي أحد أطراف الصراع، من تحالفات متجانسة مع بعضها تتمثل في العقائديين الزيديين واللجان الشعبية الموالية لعبدالملك الحوثي، من جهة ,والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح المتمثلة في الحرس الجمهوري والعديد من مكونات القوات الخاصة (الامن المركزي سابقا) من جهة أخرى، وقوى تقليدية قبلية موالية في نهاية المطاف للرئيس السابق صالح أو لعبدالملك الحوثي.
يتكون تحالف هذه القوى في غالبيته من مراكز القوى في شمال الشمال اليمني، وذلك يعزز شعور الحركة الإنفصالية في الجنوب لتطلق على مسلحي الجماعة تسمية " قوى الإحتلال الشمالي"، كما أن تقديم جماعة الحوثيين كجماعة شيعية قد فتح الباب على مصراعيه لمختلف الصراعات الطائفية والجغرافية، حتى الهامدة منها، لتطفوا للسطح في جميع أنحاء البلاد.
:المقاومة الشعبية
من جهة أخرى، يتمثل الطرف المقابل لتحالف الحوثي/صالح بالمقاومة الشعبية- والتي تتكون من جماعات متنوعة من القوى وذلك في ظل غياب الحكومة المركزية في صنعاء والإنهيار الكلي لمؤسسات الدولة. و أدى الدعم المالي والعسكري السخي من قِبل التحالف التي تقوده المملكة العربية السعودية لإلتحام هذه القوى المقاومة مؤقتاً، رغم تباين أهدافها ودوافعها لمواجهة الحوثيين، إلا أن وجود خصم مشترك قلل من ظهور إنقسامات معمقة في الأيديولوجية والأهداف في أوساط هذه الجماعات للعلن. وفي حقيقة الأمر، وبالرغم من مناهضة المقاومة الشعبية للحوثيين، إلا أن أحد القواسم المشتركة التي تجمع بين مكونات المقاومة الشعبية جميعها هو أن لا أحد منها يتعامل مع عودة الرئيس هادي إلى السلطة كأولوية بالنسبة له.
وبشكل أكثر تحديداً، فإن هناك إمكانية كبيرة بأن تتصدى المقاومة الشعبية لطموحات تحالف صالح والحوثي العسكري. ولكن في نفس الوقت فإن ذلك يمثل صعوداً متزايداً لمليشيات لامركزية في معظم أنحاء اليمن. وهذا يمثل خطراً كبيراً لأي تسوية سياسية محتملة يتم السعي من خلالها إلى إستعادة شرعية وسلطات حكومة هادي والتي من المفترض أنهم يقاتلون من أجلها.
:ويمكن تصنيف المقاومة الشعبية إلى ثلاثة أصناف
أولاً: الجماعات الطائفية أو ذات الدوافع الدينية وتتكون هذه الجماعات من التيار السني وبشكل كبير السلفي منها والذين هم على خلاف كبير مع الحوثيين لإسباب أيدولوجية-دينية، إضافة إلى حزب الرشاد (سلفي) الذي نشأ مؤخراً. كما يوجد أيضاً بعض المقاتلين المتشددين والمنتميين إلى تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وفرع الدولة الإسلامية في اليمن والذين يقاتلون من أجل تأسيس الخلافة الإسلامية.
ثانيا: جماعات الحراك الجنوبي والتي تعتبر القوة الأكبر في الجنوب وتتكون من العديد من الحركات الجنوبية والإنفصالية والتي تقاتل بهدف استعادة دولة الجنوب وفك الإرتباط مع الشمال بموجب الوحدة بينهما التي قامت في العام 1990. ومع إنطلاقة ونجاح عملية السهم الذهبي والتي كُللت بإخراج الحوثيين والقوات الموالية لصالح من مدينة عدن وقاعدة العند الجوية في محافظة لحج، أحرز الحراك الجنوبي خطوات هامة نحو تحقيق هدف إعادة تأسيس مدينة عدن كعاصمة لجنوب اليمن. ونظرا لطموحيهما المختلفين، فإنه من الممكن أن يتصارع الحراك الجنوبي والإنفصالي مع الجماعات ذات الدوافع الدينية من المقاومة الشعبية أو بينهما البين على المصالح والميدان في الجنوب عقب تراجع الحوثيين.
ثالثا: القوى القبلية في كل من تعز وإب والبيضاء ومأرب والجوف والذي يحاربون ضد هيمنة الحوثي على مناطقهم وللحصول على المزيد من الحكم الذاتي، ويتكون هذا الصنف بشكل كبير من المواليين لحزب الإصلاح ( تنظيم الإخوان المسلمين في اليمن)، ويحارب في صف واحد من أجل يمن فدرالي.
كما شارك الفاعلون الإقليميون بأشكال ومستويات مختلفة وخاصة في تسليح كل الجماعات في الأطراف المتصارعة. ومن المخاوف التي تترتب عليها هذه الإستراتيجية هو تعقيد أفق تحقيق السلام، والنظرة القاصرة لقوى التحالف في تحقيق أهدافها المعلنة والتي تتمثل في إعادة الرئيس هادي إلى السلطة في حين أنها تقوم في الواقع بتمكين قوى هي على خلاف مع وجود حكومة مركزية قوية في صنعاء. كما سيكون من الصعب جدا إقناع الجماعات المتشددة أو ذات الميول الإنفصالية أو القوى المسلحة الأخرى أن تسلم قوتها لحكومة هادي.
ما الذي من الممكن عمله على المستوى المحلي لدعم فرص السلام؟
على حد سواء، يتوهم المتحدثون السياسيون والمحللون والإعلاميون أن هزيمة الحوثي عسكرياً ستؤدي إلى إستعادة عصر ما قبل توسع الحوثيين. لكن ومع تواجد الحكومة اليمنية في الخارج وتبخر المؤسسات الحكومية، بدأت الأطراف غير الحكومية الفاعلة للتنافس على الشرعية المحلية في ظل فراغ السلطة. وفي غضون الخمسة الأشهر الماضية، تمكنت الجهات غير الحكومية الفاعلة والمسلحة التابعة ل " المقاومة الشعبية " من السيطرة على الأراضي المحلية والأجهزة الحكومية – سواء من قِبل الحراك الجنوبي، أو من قِبل القاعدة في شبه الجزيرة العربية كما حدث في مدينة المكلا
.
حتى وإن تمت هزيمة الحوثيين ، سيتوجب على الحكومة المركزية أن تستوعب وتأخذ حسابات هذه الجماعات غير الحكومية الفاعلة والمختلفة بعين الاعتبار، من أجل المحافظة على ممارسة سلطاتها .
في حال توقفت هذه الحرب قريباّ، سيتوقف توسع هذه القوى العسكرية والسياسية المحلية، وستزيد فرصة الحكومة المركزية بأن تكون قادرة على إعادة بناء نفسها، وتدريجيا تأكيد سلطتها في جميع أنحاء البلاد ، وهكذا يمكن أن يتحقق الإستقرار في اليمن بصعوبة أقل . وعلى الرغم من غموض توقعات تحقيق السلام في ظل المناخ الجيوسياسي الحالي، إلا أن الوضع الراهن يقود اليمن لأن تصبح دولة فاشلة بكل الأشكال، والإنزلاق نحو كارثة إنسانية لم يسبق لها مثيل، إضافة إلى أن تصبح تهديداً عالمياً للأمن.
وبالتالي ، فإنه يتعين على صانعي السياسات ومتخذي القرارات البدء في صياغة بدائل سياسية، مع العمل على تحديد مسار ممكن ومختلف للسلام.
ولتحقيق أي هدنة أو اتفاق، سيتطلب الأمر بذل جهد متكامل و منسق مع المجتمع الدولي للتخفيف من تصعيد النزاع وإشراك جميع الفاعلين المحليين في عملية السلام، ويجب أن يراعي أي اتفاق مستقبلي التالي
· يجب على جميع الأطراف الرئيسية في الحرب أن توافق فوراً على إتفاق سلام وتوافق. ومع إن أي إتفاق سلام يجب أن يكون يمنيا بطبيعته، لا يمكن لأي تسوية أن تتحقق دون موافقة إقليمية. وإذا كان لدى الأطراف الإقليمية الرئيسية الفاعلة ( إيران والسعودية) الرغبة في استمرار هذا الصراع ، فإنها ستواصل دون شك. وعليه فإنه من الضروري إيقاف إراقة الدماء والتوجه نحو اتفاق سياسي لإنقاذ اليمن من التشظي والخوض في سنوات طويلة من الإقتتال الداخلي. كما يجب أن يأتي الحافز الرئيسي لتسوية هذا النزاع من قِبل الحكومة ممثلة بالرئيس هادي و نائبه خالد بحاح والمملكة العربية السعودية وحلفائها، وأيضاً ميليشيات الحوثي و حلفاء صالح. وللمساعدة في تحقيق هذه التسوية ، يجب أن يتوقف الفاعلون الإقليميون عن الدعم العسكري لجميع أطراف الصراع المختلفة. ويجب على أولئك الذين يهدفون إلى التوصل إلى سلام أن يقوموا بتنسيق الجهود سوياً. ومع مرور الوقت، فإن قدرة اليمن للسعي نحو تحقيق السلام قد يضيع في خضم الصراعات الإقليمية.
· يجب على الحكومة أن تعود فوراً إلى اليمن و يجب التوصل إلى توافق جديد، ومن الممكن لجميع الأطراف التوصل إلى تسوية عبر التمسك بمبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2216 دون التشبث بأي إشتراطات قد عفا عليها الزمن. كما يجب أن تكون القضايا المحددة زمنياً، كالفيدرالية، أكثر واقعية من حيث قدرتها على إنهاء الصراع، كما تتطلب قضية فك الإرتباط المختلف عليها الإهتمام المباشر من قبِل الرئيس وحكومته وتحديد مواقف واضحة منها. فكلما طال بقاء الحكومة الشرعية في الخارج، فإن الجماعات غير الحكومية الفاعلة في أرض الواقع ستكون أكثر شرعية وسيكون من الصعب حينها على أي سلطة إستعادة ثقة المواطنين.
· يجب أن ينظر الاتفاق إلى الخصوصيات التاريخية للتركيبات والإندماجات الإجتماعية التي تشكل البنية الإجتماعية الحالية لليمن، كما أن إتفاق السلام بحاجة إلى أن يتم التعامل معه على مستوى أوسع وأشمل من مفهوم "الفيدرالية" الذي تم تأييده من قِبل مؤتمر الحوار الوطني. ويجب أيضاً النظر إلى الواقع الممزق على الأرض، وصعود الطائفية والمناطقية، وإمكانية التشرذم الإجتماعي والسياسي والإقتصادي, كما يجب أن ينسجم هذا الإتفاق مع الواقع المتعدد على الأرض. ولذلك، ينبغي أن تتضمن الإتفاقية العديد من الملحقات تضم فيها تفاهمات السلام المحلية بين الجهات غير الحكومية البارزة والفاعلة. وفي حال فشلت الجهود في إطار استمرار وحدة اليمن، فإن الحكومة لن تكون قادرة على الإستمرار في غض الطرف عن مطلب الفصائل الجنوبية في حق تقرير المصير. وعليه فمن الضروري أن يتم استيعاب الجهات الفاعلة غير الحكومية المحلية النشطة في مؤسسات الدولة الرسمية، وقد أعلن الرئيس هادي دمج المقاومة الشعبية مع الجيش اليمني المنقسم في يوليو المنصرم، وبما أن ذلك يبدو أمراً واعداً، يجب إعادة دمج جميع الفصائل. في حالة الفشل في عدم استيعاب بعض المكونات، فإن ذلك سيكون بمثابة تحدِ كبير أمام أية تسوية سلام على المدى الطويل. ومن المحتمل أن يفسد أولئك المقصيون أي عمليات سلام قادمة. وللمضي قدماً، يمكن بدء إعادة الدمج على المستوى الوطني من خلال تعيين ممثلين محليين بارزين كمستشارين للحكومة، إضافة إلى وجود تمثيل للجهات الفاعلة المحلية المؤثرة على المستوى المحلي، وعلى وجه الخصوص في الجنوب، حيث سيؤدي ذلك إلى وضعها تحت ضغط التسليم للسكان المحليين، ويمكن أن تتعاون أيضا مع الحكومة لتحقيق الأمن والمساعدة في تطبيق القانون.
· على المجتمع الدولي و حكومة هادي إدانة الأنشطة الإرهابية من قِبل الجماعات المتطرفة المسلحة في اليمن ، مثل الدولة الإسلامية و القاعدة في شبه الجزيرة العربية . وبما أن هذه المجموعات تستخدم مظالم السكان المحليين لحشد الدعم من المجتمعات المحلية، فإنه يجب إدانتهم من أجل إفقاد ثقة المواطنين بهم. وعلاوة على ذلك ، يجب التضييق على المنظمات والأفراد الذين يقومون بتمويل هذه الجماعات ومنع الدعم عنهم. إن لهذه الجماعات المتطرفة جذور عميقة في الأجهزة الحكومية اليمنية ، بل و في المجتمع المدني، وقد نجحت في خلق أنظمة محاباة. ففي محافظة حضرموت، قام تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية بتنصيب نفسه حاكماً حالياً بعد سيطرة الحوثي على السلطة، كما قام بإنشاء هياكل موازية غير حكومية والتي تقوم بالتوسع إلى بقية جنوب اليمن ، وذلك سيشكل تهديداً كبيراً لأي أجندات مستقبلية لبناء الدولة. كما يجب إبلاغ الحوثيين بوضوح أن الإعتراف السياسي بهم ، مشروطا بوقفهم لاستخدام العنف.
· أخذا بعين الاعتبار التأجيج الطائفي في هذه الحرب ، يمكن للقيادات الدينية، وخاصة أولئك الذين خارج دائرة الإستقطاب ، تخفيف حدة التوتر الطائفي من خلال تشجيع مبدأي العفو والتسامح. في الواقع ، يمكن للجهات الدينية لعب دور هام في تخفيف الصراع في اليمن. ونظرا للإقتتال بين الحوثيين وبقية اليمنيين وكذلك المملكة العربية السعودية ، فإن هذه الحرب أصبحت تُقولب كجزء من حرب واسعة بين الشعية والسنة ، وبإستقطاب ديني تحت شعارات "الخير" و"الشر" . ولذلك فإن الخطاب الديني سيستمر دوره في إقناع عامة الناس.
· بعد التوصل إلى تسوية سياسية مباشرة ، يجب ان يفرض على الميليشيات السياسية و القبلية تسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة إلى الدولة، ومن ثم يجب على الحكومة سن وتنفيذ قوانين حول حيازة الأسلحة و الإستخدام الشخصي لها. ويجب أن تكون مدينتا عدن وصنعاء مدنا خالية من السلاح على الأقل . إن لدى الجماعات المسلحة-كلها تقريبا في اليمن- القدرة والإرادة لاستخدام العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها، وذلك يجعل نزع السلاح أولوية لتحقيق الإستقرار.
· يجب إشراك الشخصيات الإجتماعية كالقيادات القبلية -ولكن بحذر شديد- في توازن تقاسم السلطة المستقبلية- فإنه عندما تم استبعاد رجال القبائل اليمنية بعد الثورة من العملية الإنتقالية عام 2012-2014 ، إنقاد القبائل إلى أحضان الجماعات المتطرفة، ناهيك عن ضرورة تعاونها لإيصال المساعدات الإنسانية و للفصل في القضايا المحلية ,ولكن بالتناسب مع إلتزام هذه القيادات بقرارات وسياسات السلطات الرسمية ، لا العكس.
· إنه من الممكن لبعض الأحزاب السياسية أن تبادر بجهود سلام محلية. فقد قامت الأحزاب ذات الهيمنة الزيدية داخل المعارضة التقليدية، وعلى وجه الخصوص حزب الحق وإتحاد القوى الشعبية، بالإنضمام إلى الحوثيين، إضافة إلى الفرع اليمني لحزب البعث السوري. كما انضم الحزب الإسلامي السني( التجمع اليمني للإصلاح)، والذي يتضمن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وعدد من الإئتلافات الجنوبية إلى صف الرئيس هادي، بالإضافة إلى بعض أعضاء حزب الرئيس السابق على عبدالله صالح- حزب المؤتمر الشعبي العام. لقد كانت مواقف بعض الأحزاب مثل الحزب الناصري والاشتراكي في درجة من الغموض، حيث لم يتم إتخاذ أي مواقف واضحة، حتى وإن قامت بعض الشخصيات البارزة داخل هذه الأحزاب باتخاذ مواقف شخصية. وعليه فإن الحياد الرسمي الذي تبناه حزبا الاشتراكي والناصري من طرفي الصراع يمكن أن يُستخدم كوسيلة لإعادة تنظيم صفوفهم ودعم الجهود المحلية من أجل السلام في اليمن، وقد بدأت بعض الشخصيات التي تؤمن بأهمية السلام من جميع الأطراف بالظهور بشكل خفيف، ويمكنهم العثور على أرضية مشتركة والبدء في محادثات غير رسمية مع بعضهم البعض- حتى وإن عارضت قيادتهم ذلك.
· يمكن للقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات أن تعزز من التماسك الاجتماعي من خلال المناصرة والتعليم والحماية وإعداد تقارير السلام والحرب وتقديم الخدمات الإنسانية كما يجب تشجيع الإستثمار الأجنبي و المحلي لتعزيز الإنتعاش الإقتصادي وخلق فرص عمل للشباب اليمني. وبذلك ستكون معالجة أزمة البطالة في اليمن بمثابة وسيلة لإحباط تجنيد الميليشيات. وعلاوة على ذلك ، فإن خبرات منظمات المجتمع المدني في اليمن تعود لأكثر من 35 عاماً، ويمكن لمنظمات المجتمع المدني الراسخة أن تكون شريكاً فاعلاً لتحقيق السلام في البلد. وفي حين أنه لا يمكنهم أن يكونوا بديلا لبناء الدولة ، وكونهم ذوي نفوذ محدود، لكنهم يمثلون بديلاً للمليشيات في اليمن. وعلى المجتمع الدولي أن يخلق الحوافز والشروط على الحكومة اليمنية للتعاون مع منظمات المجتمع المدني و جذب فرص العمل إلى البلاد بما في ذلك إعادة تفعيل التمويلات المرتبطة ببرامج الحكم وبناء السلام في أسرع وقت تسمح فيه الأوضاع الأمنية بذلك.
· يجب على الحكومة أن تبدأ بإعداد خطة مصالحة وطنية وعدالة إنتقالية شاملة من خلال تشكيل هيئة قانونية متخصصة، كما يجب التعامل مع إنشاء هذه الهيئة على أنها أولوية قصوى و يجب على الحكومة أن تمتنع عن العمليات المعقدة التي أثبتت عدم جدواها في الماضي. وللمضي قدما، يجب على الهيئة القانونية النظر في جميع الصراعات السابقة بشكل عادل. كما يجب أيضاً التعاطف مع جميع الضحايا والعمل على إستعادة حقوقهم ، بغض النظر عن مواقعهم الجغرافية أو إنتماءاتهم السياسية. وعند التوصل إلى تسوية ما، على الأطراف المشاركة أن تقدم تعويضات، كما يجب على الحكومة النظر في الحوافز للمجموعات التي تعهدت بالإمتناع عن ممارسة العنف . كما يجب اخذ الأشكال التقليدية لتسوية النزاعات، مثل التحكيم القبلي بعين الاعتبار أيضاً.
ما زالت الكارثة الإنسانية مستمرة بالتفاقم بعد خمسة أشهر من التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن - نحو 20 مليون يمني على وشك الوصول إلى مستوى المجاعة. وفي يونيو الماضي صرحت الأمم المتحدة بإن وضع الأزمة في اليمن ارتفع إلى الفئة 3 كما هو الحال في سوريا.
وفي حال لم تأخذ أي تسوية قادمة مواقف الفاعلين المحليين بعين الإعتبار، فإنها بالتأكيد لن تنجح، وفي نفس الوقت، أصبح من الصعب إيجاد تسوية مماثلة، وذلك بسبب القوة التي إكتسبتها العديد من القوى الفاعلة منذ بدء العملية العسكرية التي تقودها السعودية. وعليه، يتعين على المجتمع الدولي أن يستوعب مدى تأثير سياساته وإجراءته في العلاقات المعقدة و الديناميكية بين الجهات المحلية الفاعلة ، والامتناع عن إشعال الوضع في اليمن، والبدء في إخماد تلك الإشتعالات بشكل فوري .