هل الحوار الوطني الملاذ الأخير لليمن؟
مارس 7, 2013
بعد العديد من العوائق التي وقفت حائلاً دون انعقاد مؤتمر الحوار الوطني اليمني، فمن المقرر انعقاده أخيرًا يوم الاثنين الموافق 18 مارس/آذار. إذ لم يتم الانتهاء من قائمة المشاركين في مؤتمر الحوار إلى الآن في ظل النزاع القائم بين عدة أحزاب حول اختيار الأعضاء الذين سيمثلونهم في المؤتمر. والأهم من ذلك أن قادة الحراك الجنوبي (وهو مصطلح يشمل مجمل الحراك الجنوبي، والذي يتألف من عدة جماعات متباينة ) لا يزالون على موقفهم الرافض للمشاركة في الحوار الوطني حتى وإن خصصت لهم اللجنة الفنية للمؤتمر عددًا معقولاً من المقاعد. وفي خضم التصريحات والبيانات والمناورات السياسية القائمة بين جميع الأطراف، بات من الواضح انعدام الفرص لعقد مداولات حقيقية.
وعلى الرغم من حقيقة الأزمة القائمة على أرض الواقع، إلا أن المجتمع الدولي مستمر في دعمه لإنجاح الحوار الوطني، برغم نواحي القصور المتجلية في عملية اختيار الشباب والمستقلين والنساء وممثلي المجتمع المدني خاصة . و فيما تفاقمت التوترات السياسية عقب اندلاع العنف في 21 فبراير/شباط في عدن بين أعضاء الحراك الجنوبي والسلطات الحكومية. كما فشلت الحكومة اليمنية منذ عام 2009 وحتى الان في الاستجابة لمتطلبات الحراك الجنوبي بالإضافة إلى التقصير والإهمال الذي استمر عقب الثورة اليمنية في 2011 ومنذ تولى الرئيس عبد ربه منصور هادي منصبه.
بدايةً، انعقد الاجتماع الأول الذي جمع بين الرئيس هادي وقادة الحراك في 23 فبراير/شباط 2013، بعد عام من توليه الرئاسةو بعد مقتل أربعة من المتظاهرين الجنوبيين. وما زاد الطين بلة إخفاق اللجنة الفنية - المكلفة بالإشراف على عملية اختيار المشاركين في الحوار الوطني - في تعريف قادة الحراك بعملية اختيار المشاركين والشروط الواجب توافرها، مما أدى إلى انعدام الثقة في مصداقية المفاوضات.
وعلاوة على ذلك، فقد اجتاحت احتجاجات عارمة مدينة عدن الجنوبية في الوقت الذي قام فيه ممثلو الدول الاعضاء في مجلس الامن الدولي (UNSC) بزيارة اليمن في 27 يناير/كانون الثاني، ولم تلق هذه الاحتجاجات أي آذان صاغية. وقد أصدر بعدها مجلس الامن عقب هذه الزيارة تحذيرًا في 16 فبراير/شباط للمتهمين بعرقلة الحوار الوطني وعلى وجه التحديد الرئيس السابق علي صالح ونائب الرئيس السابق علي البيض (1990-1994) دون أن يثير هذا التحذير أي مخاوف حول العملية السياسية للحوار أو الحراك الجنوبي. في المقابل، أصدر المجلس الأعلى للحراك الجنوبي بيانًا واصفًا فيه إعلان مجلس أمن الأمم المتحدة "بالمحبط" للشعب الجنوبي الذين توقعوا اعتراف مجلس الأمن بقضية الجنوب ودعم حقهم في تقرير المصير. وقد نشأ عن هذا الإهمال توترات مستمرة بين الحكومة اليمنية والحراكالامر الذي أدى إلى زيادة تعقيد المفاوضات بينهم.
وقد أثبتت سياسة غض الطرف عن مظالم أهل الجنوب عدم فاعليتها وأضرارها، إلا أن العديد من مسؤولي حكومة هادي مستمرون في انتهاجها. فعلى سبيل المثال، صرح وزير الدفاع اليمني، محمد ناصر أحمد في الثالث من مارس/آذار بأن الوحدة اليمنية "راسخة متأصلة." بيد أن تلك التصريحات غير مجدية ولن تأتي بنتائج إيجابية على الإطلاق، بل نتج عنها تصلب في المواقف بين طرفي الحوار. فعلى سبيل المثال، أصدر العديد من قادة الجنوب البارزين تصريحات يعلنون فيها بأن الجنوبيين الذين يشاركون في الحوار الوطني يُعتبرون خائنين لقضية الجنوب. وهم يحذرون أيضًا من أن هذا يُعد استمرارًا "لمؤامرة الشمال" على الجنوب.
على الرغم من أن الانقسامات التي تشهدها اليمن خطيرة ومثيرة للقلق ، إلا أن الحوار الوطني يسير في الطريق الصحيح ولا يزال نجاحه واردًا. كما عاد أعضاء اللجنة الفنية الستة الذين قد علقوا عضويتهم ردًا على أعمال العنف التي اندلعت في عدن في 21 فبراير/شباط إلى ممارسة أعمالهم. ومن بين هؤلاء الأعضاء ياسين سعيد نعمان، الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، الذي صرح في 3 مارس/آذار بأن الحوار يجب أن يستمر حتى إذا "كان بدون مشاركة الحراك الجنوبي، من أجل الحيلولة دون عرقلة العملية السياسية." ومن المرجح أن يحذو باقي أعضاء الحزب حذوه.
وحتى الآن، لا تزال هناك نذرا مثيرة للقلق تلوح في الأفق. ففي 1 مارس/آذار، أعلنت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني العام للشباب حل نفسها، مما يدل على خيبة الأمل التي أصابتهم. وما يزيد الأمور تعقيدًا، هو أن الغالبية العظمى من الجهات الرئيسية الفاعلة تقحم المفاوضات بمجموعة من الأهداف والغايات المحتومة بالفعل، الأمر الذي يزيد من صعوبة التوصل إلى حل وسط. وعلى سبيل المثال، حينما كان الرئيس هادي في عدن، أعلن عن رؤيته المستقبلية بتقسيم اليمن إلى خمسة أقاليم (بالإضافة إلى ميناء عدن)، على الرغم من حقيقة أن أحد أغراض الحوار الرئيسية يتمثل في تحديد هيكل الحكومة اليمنية. وبصفة الرئيس اليمني وسيطًا في الحوار، فإن موقفه هذا يمثل إشكالية كبيرة، والأهم من ذلك- وفقًا لأحد المصادر غير الرسمية – أنه يشير إلى تبنيه لرؤية حزب الإصلاح البارزة.
تركزت الأعمال التحضيرية للحوار حول السياسات وإدارة وتخطيط المناقشات وتصميم عملية اختيار الأعضاء. وقد غضت هذه المناقشات الطرف عن الموضوعات الحاسمة مثل الاقتصاد ودور القبائل وإصلاح التعليم وآثار تغير المناخ. وحتى الآن، أثبتت الجهات الفاعلة الدولية المشاركة في عملية الحوار بأنها على نفس قدر أهمية الجهات الفاعلة الوطنية إن لم تكن أكثر أهمية منها. وعلى الرغم من أن وضع"أجندة ديمقراطية" للمجتمع الدولي يُعد هدفًا مأمولاً إلا أنه حال دون الإسراع بتطبيقه دون أن يضطلع الشعب اليمني بدوره الوطني الرئيسي ، فسوف يثبت ضررها. ففي المجتمعات الذي يكون الناس فيها غير مستعدين للدخول في حوارات، يستغرق الأمر دون شك سنوات طوال لإرساء مبادئ الديمقراطية وترسيخها.
لم يسبق وأن أجرت اليمن حوارًا جمع هذا العدد الكبير من الفصائل المختلفة، وليس من الحكمة بمكان أن يفترض المرء بأن تلك الشمولية من شأنها أن تضمن إنجاح هذا الحوار.
مثلت الحوارات جزءًا من التاريخ السياسي اليمني لسنوات، على الرغم مما كان يسفر عنها من نتائج مثيرة للجدل. ففي الشمال، انتهت اتفاقية حرض التي أبرمت بين الملكيين والجمهوريين باندلاع حرب. وفي الجنوب، وُقعّت مفاوضات بين أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني في أكتوبر/تشرين الأول 1985، ومع ذلك رأينا أعمال العنف تندلع في أرجاء البلاد في يناير/كانون الثاني 1986. وفي توحيد شطري اليمن عام 1990، وقعت الدولة اتفاقية العهد والتفاق بين علي البيض وعلي صالح، إلا أنها كانت نتيجة لاندلاع الحرب الأهلية في عام 1994.
وإن التاريخ اليمني يعلمنا درسًا بأن الحوارات دائمًا ما تكون الملاذ الأخير في حل أية أزمة؛ حيث إنها تمثل مستوى رمزيًا في المقام الأول. وفي الواقع، عادة ما كانت هذه الحوارات نذيرًا بقدوم كوارث، خاصة إذا كانت نتائج الحوار غير مرضية لفصيل ما من المشاركين. ومع ذلك، سيستمر الحوار بصفة أساسية لعدم وجود بديل أفضل. ومع كل ما تبذله اليمن وحلفاؤها الدوليون من جهود لإنجاح الحوار، إلا أنهم لم يضعوا سيناريوهات بديلة في حالة الفشل المحتمل له.
ولا تعني هذه التجربة اليمنية بأن الحوار الحالي محكوم عليه بالفشل، بل تعني ضرورة بذل المزيد من الجهد مع وجوب استعداد الجهات الفاعلة القوية لإجراء تنازلات صعبة. وبدلاً من إرضاء المجتمع الدولي على نحو سطحي، يجب على المؤسسات الديمقراطية الحقيقية تعميق جذورها بين الجهات الفاعلة الوطنية لصالح الشعب اليمني. كما يدرك الأشخاص الذين يبذلون جهودًا رامية نحو تحقيق السلام بأن اليمن ليس أمامها خيار سوى المضي قدمًا نحو إنجاح الحوار. ولكن الوقت محدود للغاية إذ من المقرر بدء فعاليات الحوار في 18 مارس/آذار. ويتعين على الرئيس هادي وحكومته القيام بمزيد من الجهود لتخفيف حدة التوترات مع الحراك الجنوبي والشباب من أجل خلق أفضل بيئة ممكنة لبدء المفاوضات. وفي الوقت الذي يجتمع فيه المشاركون في الحوار على طاولة المفاوضات، يجب عليهم النظر جيدًا فيما هو على المحك: وهو إذا ما فشل الحوار، فلن تستطيع اليمن التغلب على أزماتها.