الفنانين اليمنيين يحيون ذكرى ضحايا الهجمات الانتحارية
كتبتها سماء الهمداني لصحيفة المونيتر
19 مارس 2014
ان كثير من الناس في هذا العالم لا يتذكرون ذلك الهجوم الإرهابي الذي هز صنعاء في صبيحة الخامس من شهر ديسمبر الماضي، حيث في تمام الساعة 09:00 تم استهدفت المستشفى العسكري التابع لمجمع العرضي، الذي يضم وزارة الدفاع. وقد أسفر هذا الاعتداء المريع عن مقتل 56 فردا، معظمهم من الأطباء والممرضين والمدنيين. وبعد ثلاثين دقيقة من الهجوم، تم بثه لقطات عبر شاشات التلفاز. وبعد مضي عدة ساعات من الهجمات أعلن عن وفاة نيلسون مانديلا، الخبر الذي أنسى الناس غيره من الأخبار.
كانت ال 24 ساعة التالية للهجوم هي الأصعب، لم يعرف اليمنيين ماذا الت اليه الأمور حتى أعلنت اللجنة الامنية العليا نتائج تحقيقاتها. حيث كشفت أن 12 انتحاريا، معظمهم من المواطنين السعوديين، هم من ارتكبوا "العمل الإرهابي"، الذي أسفر عن إصابة 215 إضافة الى الذين قتلوا. حاولت الحكومة على عجل تهدئة غضب الشعب. أولا، قامت بعرض متلفز لمدة خمس دقائق، بعد أن قاموا بتعديل فيديو الهجوم ، وكما هو متوقع، لم ينتج عن ذلك سوى مزيدا من الترهيب والذعر. وكانت رد ة الفعل عنيف بما فيه الكفاية لحملهم على عدم عرضه في المستقبل. ثانيا، أعلنت دقيقة صمت كحداد على الصعيد الوطني، وللأسف، كان الصمت هو الاستجابة رمزية والفعلية الدائمة للحكومة حيال النكبات.
وبعد عدة أشهر، وذلك في ظل عدم اهتمام الحكومة على ما يبدوا، قررت مجموعة من الفنانين اليمنيين الشباب بمبادرة ذاتية لإحياء ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي بكتابة أسماء ورسم وجوه الضحايا الأبرياء على جدران مستشفى العرضي، ابتداء بجمع 31 صورة و 55 أسماء. لكنهم يواجهون مشكلة بسبب عدم توفر قائمة رسمية بأسماء جميع الضحايا، فهنالك اثنين من الضحايا لم يتم التعرف عليهم. بشكل قاطع. ورغم ما يقومون به أفاد الفنانين الذين تحدثوا إلى صحيفة المونتير، أن وزارة الدفاع رفضت طلبهم بالكتابة والرسم في موقع الهجوم قبل يوم واحد فقط من موعد اطلاق مبادرتهم قائلين "الضحايا في كل مكان".
ولكن تصميم الفنانين المتطوعين جعلهم يقررون تنفيذ المبادرة في موقع بديل في 6 مارس، وقاموا بتسميته "الساعة الثامنة". وأردف مراد سباعي –رسام تشكيلي، غرافيتي-قائلا "نظرا لعدم وجود نصب تذكارية، فان الساعة الثامنة هي نوع من الاحتجاج،". وكان قد أطلق في عام 2013 حملة 12 ساعة، وهو مشروع لإظهار 12 عقبة رئيسية "ساعة" من خلال الرسوم التوضيحية، في طريق اليمنيين، وفي ذلك الوقت لم يكن يتوقع أن الإرهاب سيكون أحدها.
بعد الانتفاضات اليمنية من عام 2011، استمرت قبضة الحكومة على مفاصل الدولة في التراجع، مما تسبب في هشاشة الدولة التي استغلها تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العرب. ونتيجة لذلك لم تفشل الحكومة الحد من نفوذ الجماعة فقط، بل أنها تجاهلت مخاوف الشعب مرارا وتكرارا.
كان أول تفجير انتحاري في صنعاء في 21 مايو، 2012، وأطلق عليه اسم مجزرة السبعين، والذي استهدف بروفة لعرض عسكري مما أسفر عن مقتل أكثر من 86 واصابة 167 جنديا، منهم 50 لقوا حتفهم على الفور. قام بعدها الرئيس عبد ربه منصور هادي مباشرة بإقالة اثنين من جنرالات الأمن، لكن الحكومة فشلت في وضع آلية لمتابعة القضية، فلم نجد بعدها أي تعليق علني لمسؤول حكومي على الجريمة. وكان رئيس الجمهورية هو من تحدث للشعب عبر التلفاز.
وكان رد فعل الرئيس بعد الهجوم على المستشفى في 2013 مقارب لهجوم عام 2012. حيث كان ينظر الى صمته منذ البداية كعدم اكتراث، خاصة أنه كان يشاع أنه كان في المستشفى أثناء الهجوم. وأعطى غياب رد الحكومة مساحة واسعة لنظرية المؤامرة. وحتى يومنا هذا، لا يزال البعض يعتقدون ان الهجوم على العرضي مجرد امتداد للحرب الحوثية-السلفية في الشمال.
جند الصحافي المستقل محمد العبسي نفسه وكرس ساعات من العمل الشاق لجمع الأدلة، والصور، ونبذ عن الناجين من حادث العرضي الإرهابي. وأظهرت التقارير التي وصل اليها أن وحدة مكافحة الإرهاب، التي ردت على الهجوم، لم تكن على علم بأن الانتحاريين قد انتشروا في جميع أنحاء مبنى العرضي. وبرغم استخدم الوحدة للقوة المفرطة، بما في ذلك ست ساعات من القصف بالمدرعات، وجد العبسي ان آخر انتحاري قتل نفسه في الساعة 4 من صبيحة اليوم التالي للهجوم.
أضف الى ذلك، ذكر العبسي تفاصيل تبين ضعف الحكومة من خلال تعارض ما وصل اليه مع تحقيقات اللجنة المكلفة بالتحقيق، وأفاد أن تسعة انتحاريين هم من ارتكبوا الجريمة وليس 12كما ذكرت اللجنة، وهو ما أكده البيان الرسمي للقاعدة في جزيرة العرب. وعلاوة على ذلك، أشار العبسي إلى أن التقرير قد أخطأ في وصف ثلاثة ضحايا على أنهم إرهابيون، وهو ما بين مد ما تعانيه الحكومة من مشاكل في العمل الميداني.
نحن في عصر التكنولوجيا، والهجمات السبعين والعرضي موثقة بالفيديو، ولا مجال للسلطات في إخفاء اخفاقاتها. وفي العام 2012، طالب مطيع دماج، وهو عضو في الحزب الاشتراكي اليمني، وأشخاص آخرون بث برنامج يظهر الجانب الإنساني للجنود المتوفين نتيجة للهجمات. مما حدى بتوفيق الشرعبي، وهو المخرج التلفزيون الوطني، أن ينتج سلسلة عن حياة الجنود المتوفين بحسب شهادات أسرهم، ولكن تم إلغاء العرض بعد بث حلقة واحدة، وبعد بضعة أشهر، استقال الشرعبي من وظيفته.
في عام 2014، لعبت سيناريوهات مماثلة، ففي حين لم تعرض الحكومة سوى بضع دقائق من لقطات الهجوم على العرضي، جمع العبسي 30 مقاطع من 250 كميرا كانت في مكان الحادث. وكان يأمل في أن يتحول ما جمعة الى فيلم وثائقي لتفاصيل الهجوم، ولكن كما أفاد العبسي للمونيتر خذلته العديد من القنوات تحت عذر عدم توفر التمويل أو عدم الاهتمام. وعوضا عن ذلك قام بتحميل لقطات منه على موقع يوتيوب لما كان يطمح في توثيقه.
لقد عجزت الحكومة اليمنية في تكوين رأي عام على حوادث الإرهاب بعيدا عن تشديد سياسة الطائرات بدون طيار. كما أظهرت اهتماما بسيطا في بث عمليات عدوها المعلنة المتمثل في القاعدة. والأسوأ من كل ذلك، فرطت الحكومة الحالية في اظهار سيطرتها على الوضع وتطمين الرأي العام، وذلك بالتخلي عن مسؤوليتها خلال هذه الفترة العصيبة.
ففي حين بقي الجمهور غير مدرك أو غير مكترث في لمعرفة تفاصيل حادثة الإرهاب، أعطت اللامبالاة وعدم الكفاءة من جانب الحكومة فرصة لمجموعة جادة ومتفاعلة من نشطاء المجتمع المدني لتحليل تفاصيل ما جرى علنا في هذه الحادثة المريعة. ونجد اليوم مهمة احياء ذكرى، وتكريم مئات الشهداء أصبحت مسؤولية على عاتق المواطنين، والساعة الثامنة تمثل بصيص من الأمل في واقع مؤلم، وعلامة إيجابية بأن اليمنيين لن يرضخوا للإرهاب والفوضى الاجتماعية.