دروسٌ في المكيافيلية اليمنية
سماء الهمداني
نشر المقال يوم ٢٠ فبراير ٢٠١٥ في موقع فكرة
خلال شهر أيلول/سبتمبر الماضي، تمكنت ميليشيا متمردة تُعرف باسم الحوثيين من الاستحواذ على مناطق واسعة من شمال اليمن وانتهاء بالعاصمة صنعاء. وما هي إلا أشهر قليلة بعد ذلك حتى استقال الرئيس، عبد ربه منصور هادي، وحكومته في كانون الثاني/يناير 2015 في أعقاب اشتباكات وقعت مع الحوثيين. وبحلول العاشر من شباط/فبراير غادرت البعثات الدبلوماسية في صنعاء البلاد احتجاجًا على "استيلاء الحوثيين الغير شرعي على السلطة" وإذا بالحوثيين، الذين لم يعرف عنهم الكثير، بين عشية وضحاها يصبحون حكّام اليمن الجدد.
لقد تحولت الحركة الحوثية، التي لم يعرف عنها الكثير، من حركة لإحياء الزيدية ظهرت في أوائل تسعينات القرن الماضي إلى حركة متمردة في منتصف التسعينات، ومن ثم إلى عدو محارب للدولة اليمنية في بدايات القرن الحالي. وبعد ثورة العام 2011، حصل الحوثيون على 33 مقعدًا معتمدين على شعبيتهم المتنامية، وكونهم ضحايا للنظام الماضي. حيث خُصصت لهم أيضًا لجانٌ في مؤتمر الحوار الوطني عززت من مكانتهم كلاعب مؤثر في العملية السياسية، ولكن ما أن انتهى الحوار حتى فقد الحوثيون ثقتهم بالمرحلة الانتقالية المدعومة من المجتمع الدولي. ومنذ ذلك الحين عمد الحوثيون – بزعامة عبد الملك الحوثي – إلى استخدام التكتيكات المكيافيلية لزيادة نفوذهم، مستغلين ضعف أداء حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها هادي للاستحواذ على مزيد من المحافظات وانتهاء بالسلطة.
لقد قام الرئيس هادي بوقف الدعم الحكومي للوقود في أيلول/سبتمبر 2014، الأمر الذي أثار غضب الكثير من اليمنيين واستغلها الحوثيين ببراعة، حيث أعلنوا وقوفهم إلى جانب الشعب ضد الحكومة؛ وبعد ذلك، وفي ستة أيام فقط، تم اسقاط العاصمة. وبعد أشهر، وتحديدا في 11 شباط/فبراير قام الحوثيون بحشد مظاهرات جماهيرية للتغطية على أي أنشطة مناوئة تقوم بها المعارضة. ومن المرجّح أن يعيد الحوثيون الكرة في 18 آذار/مارس في ذكرى "جمعة الكرامة" التي قتل فيها 56 متظاهرا في 2011. ويهدف الحوثيون من خطف التظاهرات الى خفض أصوات معارضيهم، وتجنب الانتقادات والإدانات المتوقعة عن مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة.
ومنذ بدء العملية الانتقالية في اليمن، أثبت الحوثيون أنهم ليسوا سوى مخادعين. فبرغم مشاركتهم الفاعلة فيها الا انهم سارعوا إلى التخلي عنها. وحتى خلال الأشهر الأخيرة من الحوار، خاضوا معارك دامية ضد الجماعات السلفية في محافظة صعدة. وبعد فترة قصيرة، نشبت موجة اغتيالات متبادلة على مبدأ العين بالعين بين الحوثيين و"حزب التجمع اليمني للإصلاح،" والذي أظهر عدم تبنيهم لرؤية سلمية لبناء اليمن الجديد. كل تلك الأحداث والحوثيون مستمرون في مشاركتهم الفاعلة في مؤتمر الحوار الوطني.
والجدير بالذكر أن العدو اللدود للحوثيين حتى العام 2012 كان الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، الذي تنحى عن الرئاسة بعد الثورة. ولكن عند تقاطع مصالح الطرفين، تحالف الحوثيون مع قوات صالح الذين يسيطرون على عدد كبير من الأجهزة الأمنية، بهدف وضع العاصمة صنعاء تحت قبضتهم وقمع خصمهم المشترك. كما أن الحوثيين دأبوا على نعت خصومهم بـ"الإرهابيين" و"المتطرفين" والذين شأت الأقدار أنهم يقطنون في محافظتي حضرموت ومأرب الغنيتين بالنفط، واتهمهم زعيم الحوثيين بـ"محاولة "احتلال البلاد والسيطرة على مواردها."
وبعد السيطرة على صنعاء، تم تشكيل لجان شعبية تألفت بمعظمها من حلفاء الحوثيين من أجل "حماية الشعب اليمني وحفظ الأمن." تولت هذه اللجان مراقبة تحركات خصوم الحوثيين، واحتلت المباني الحكومية، ووضعت أعضاءً من الحكومة، بمن فيهم الرئيس هادي نفسه، رهن الإقامة الجبرية. وبعد فترة قصيرة على دخول الحوثيين صنعاء، نزلت العديد من المكونات الشبابية ومن المعارضة إلى الشارع للاحتجاج، فسارع الحوثيون إلى الاعتقال والتنكيل بعدد من المتظاهرين بطريقة غير قانونية، ومن ضمنهم فؤاد الهمداني، وصالح البشري الذي توفي على اثر ذلك. أضف إلى أن ما فرضه الحوثيين من رقابة على الإعلام، حيث تم إغلاق صحيفتَي "الشموع" و"أخبار اليوم" وقبل ذلك قناتي "سهيل" و"اليمن الفضائية" والإذاعة اليمنية الرسمية. كما أنهم سيطروا على وسائل الإعلام الرسمية مثل صحيفة "الثورة،" وفي الوقت نفسه عمد الحوثيون إلى نشر الدعايات على قناتهم التلفزيونية الخاصة المعروفة بـ"المسيرة،" وأجبروا القنوات الأخرى ببث خطاباتهم.
ولكن في حين ساعدت التكتيكات المكيافيلية الحوثيين على الوصول إلى السلطة، إلا إنهم بعد ذلك اظهروا بأنهم يفتقرون إلى المهارات اللازمة لإدارة الدولة بمفردهم. فحتى اللحظة لم يصدروا خطةً للتعافي الاقتصادي مع أنهم من اشترطوا الحاجة إلى لجنة اقتصادية كمكون رئيسي في اتفاق السلم والشراكة الوطنية الذي وقعوه مع حكومة هادي في أيلول/سبتمبر 2014. وفيما تجدهم حريصين على تسمية خصومهم، قلما يظهرون نوايا سياسية الى العلن، فاللجنة الثورية العليا – وهي هيئة انتقالية حوثية – تتألف من عدد غير معروف من الأعضاء. واليوم يواجه الحوثيون رئيسين سابقين يناوران للوصول إلى السلطة، فضلاً عن حركة انفصالية ناشئة، وهجمات متفرقة من تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب،" ومناهضين للحوثيين يتمتعون بدعم مالي كبير، ناهيك عن اقتصاد منهار. ومن المرجح ألا يصمد الحوثيون في وجه هذه التحديات.
سماء الهمداني هي محلّلة يمنية ومؤسسة المدونة الإلكترونية "يمنياتي" Yemeniaty. يمكن متابعتها على موقع تويتر @Yemeniaty.