الحوار الوطني اليمني: الاختبار الحقيقي للدولة في تحقيق الاستقرار
٢١ يناير ٢٠١٣
في 23 نوفمبر 2011؛ تمخضت الثورة اليمنية التي هدأت باتفاق تم بوساطة دول مجلس التعاون الخليجي عن تشكيل حكومة انتقالية تبقى لمدة عامين بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي. وطبقًا لهذا الاتفاق؛ وُضع جدول للحوار الوطني بحيث يبدأ بنهاية شهر فبراير أو بداية شهر مارس لاتخاذ القرار بشأن تشكيل حكومة جديدة وصياغة الدستور الذي تعمل به. ومع ذلك؛ يبدو أن العملية الانتقالية آخذة في التباطؤ مما جعل الكثير من اليمنيين يفقدون إيمانهم بالثورة. ويمكن أن يرجع سبب الإرجاء إلى الارتباطات والمصالح اليمنية المعقدة على المستوى القبلي والعرقي وكذا الوضع الأمني المتدهور إضافة إلى إشراف هادي المبالغ فيه إلى جانب العزم الحذر على تلافي وقوع حركة ارتجاعية عنيفة وحفظ استقرار الأمة. لكن الحوار الوطني آخذ في التقدم ونجاحه شديد الأهمية في تحديد الاستقرار المستقبلي للبلاد.
خطة الحوار الوطني
في يوليو/تموز 2012 تم اختيار لجنة فنية لتحدد الطبيعة والجوانب اللوجستية الكلية لهذا الحوار، وقد عقدت هذه اللجنة الفنية من شهر أغسطس/آب إلى شهر ديسمبر/كانون الأول 2012 عدد 65 اجتماعًا بقيادة رئيس الوزراء اليمني السابق الدكتور عبد الكريم الإرياني، وقد أعقب كل اجتماع مؤتمر صحفي مع إضافة التحديثات على صفحة الفيس بوك الرسمية، وقد لخصت اللجنة اجتماعاتها في تقرير قُدم للرئيس هادي
وكنتيجة لتقرير اللجنة الفنية؛
فسوف يشارك في الحوار إجمالي 565 عضوًا، خُصص حوالي 40% من هذه المقاعد للأحزاب السياسية (لا تضم أحزابًا جديدة) بينما تم تخصيص 35 مقعدًا للحوثيين و85 لأعضاء حركة الحراك الجنوبي الانفصالية. ويتعين على الأحزاب السياسية أن تختار مندوبيها طبقًا للشروط التالية: يجب أن تُخصص 50% من مقاعدها لليمنيين الجنوبيين و30% للمرأة و23% للشباب. علاوة على ذلك؛ يتم تخصيص 160 مقعدًا للمجموعات غير الحزبية: 40 للشباب المستقل و40 للنساء المستقلات و80 لمنظمات المجتمع المدني (عضوان عن كل منظمة). وسوف يتم اختيار كل فئة بمعرفة سبعة أعضاء من اللجنة الفنية. والموعد الأخير لتقديم طلبات غير الحزبيين هو 19 يناير/كانون الثاني، وعلى كل؛ فإن الهدف من اللجنة هو استضافة حوار وطني يمثل فيه أبناء اليمن من الشمال والجنوب تمثيلاً عادلاً.
والأمر الذي زاد الأمور تعقيدًا؛ وجوب اشتمال القائمة النهائية للمشاركين في الحوار الوطني على قادة قبليين ورجال قانون وأقليات دينية ورجال أعمال ونساء وأحزاب شابة أو جديدة وذوي الاحتياجات الخاصة. تبقى عملية الاختيار لهذه المجموعات غير واضحة المعالم رغم أن الرئيس هادي له الحق في تعيين هؤلاء الأشخاص أو تشكيل خاصة تتولى اختيارهم.
ولم يُتخذ القرار بعد بشأن من يتولى إدارة الحوار ولكن هناك خياران اثنان متاحان، إما أن يعين الرئيس ومعه اللجنة الفنية ذلك الشخص أو يرشح أعضاء الحوار الوطني أشخاصًا ويختارونه بالتصويت. من المرجح أن يُعقد الحوار الوطني في صنعاء – ومع ذلك – وافقت اللجنة الفنية أن تُعقد اجتماعات أخرى بعدن إن لزم ذلك وكانت الحالة الأمنية تسمح. وسوف تعمل فرق العمل كذلك في هذه المدن: عدن، تعز، المكلا، صعده، الحديدة.
تبلغ ميزانية الحوار الوطني 7.7 مليار ريال؛ لا تتكفل الحكومة اليمنية بأي جزء منها. وجاء في نهاية تقرير اللجنة الفنية أنه سوف يتم تخصيص جزء من هذه الميزانية لينفق على المواصلات والإسكان والغذاء أثناء فترة انعقاد الحوار التي تقدر مدتها بستة أشهر. وأخيرًا؛ سوف تُخصص قناة تلفزيونية وقناة إذاعية خاصة لبث فعاليات الحوار الوطني. وبينما تعهدت دول مجلس التعاون الخليجي بتقديم هذه الأموال لليمن إلا أن الأخيرة لم تتسلمها بعد مما يكشف عن نقص ثقة دول مجلس التعاون في عملية صنع القرار اليمنية.
ما الذي نتوقعه
يكشف اجتماع أخير في 14 يناير/كانون الثاني بين الرئيس هادي والمشتركين في المرحلة الانتقالية (اللجنة الفنية للحوار الوطني ورموز سياسية وعشرة سفراء أجانب) مدى التعقيد في الوضع اليمني الحالي. فرغم أن الحوار من المفترض أن يكون "وطنيًا" إلا أن الوكالات والأطراف الفاعلة الدولية منخرطة بشكل كبير في الإشراف عليه. وقد رفض المندوب الحوثي محمد البخيتي حضور الاجتماع بسبب تواجد السفير الأمريكي، وهذا يعتبر مؤشرًا عما قد يحدث أثناء الحوار إذا حاولت الأطراف الفاعلة الدولية الانخراط في الأمر بدلاً من الإشراف عليه.
يجب أن يتم تمثيل جميع اليمنيين بغض النظر عن آرائهم السياسية في هذا الحوار وإلا فسوف يفشل الحوار وتُصاب الدولة بالشلل. فحتى الآن لم تُشكل الحراك قائمتها الحزبية ومقدمي الطلبات المستقلين من الجنوب مترددون في التقدم، ربما لأنه تم تثبيطهم عن المشاركة. ندب هادي مؤخرًا في خطوة أولى نحو العدالة الانتقالية والإصلاحية لجنتين كي يقوما ببحث نزاعات الأراضي وحالات الطرد التعسفي من العمل والتي وقعت في المقاطعات اليمنية الجنوبية عقب الحرب الأهلية عام 1994. فإن فشل هذا الجهد فسوف يستمر شعور الجنوبيين بالاضطهاد ويطالبون بالانفصال.
الوضع الأمني المتدهور في اليمن يجعل إقامة الحوار الوطني في مدن عديدة أمرًا أقرب إلى أن يكون مستحيلاً، بل حتى في صنعاء؛ هناك مخاوف أمنية كبرى، ففي 22 ديسمبر/كانون الأول تم اختطاف ثلاثة غربيين من قلب صنعاء ولم يُطلق سراحهم حتى الآن، وفي بداية هذا الأسبوع؛ تم اكتشاف خلية تابعة لمنظمة القاعدة في شبة الجزيرة العربية بالعاصمة. ولكون اللجنة الفنية – التي تُسمى الآن باللجنة التحضيرية - على دراية بهذه التحديات الأمنية فقد خصصت جزءًا من ميزانية الحوار الوطني ليُنفق على الأمن الخاص.
هناك قضايا هامة تتعلق بالأمن بقيت بلا جواب. ففي الوقت الحالي؛ تم تكليف لجنة بإعادة هيكلة وزارة الداخلية اليمنية، والهدف منها هو استنساخ هيكل وزارة الداخلية الأردنية ولكن التحول لن يكون سهلاً. في الشهر القادم؛ من المتوقع أن يُعلن الرئيس هادي عن أسماء القادة المعينين على رأس المناطق العسكرية السبع التي تم تشكيلها مؤخرًا بناء على قراره الصادر بتاريخ 19 ديسمبر/كانون الأول الذي نادى بإعادة هيكلة الجيش. وطالما لم تتحقق هذه الجهود حتى الآن فسوف تكون المسألة الأمنية تهديدًا دائمًا لنجاح انتقال اليمن.
عقب قرار الرئيس هادي؛ تساءل الكثيرون عن مصير علي محسن الأحمر القائد السابق للفرقة الأولى مدرع، حيث إن محسن – رغم تخفيض رتبته – يبقى رمزًا عسكريًا مؤثرًا وقد يشارك بصفته مستشار للأعضاء القبليين بالحوار. وخلال ذلك؛ لا يزال الرئيس السابق علي عبد الله صالح يعتبر رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام رغم مرضه وحاجته للرعاية الطبية. ولم تضع اللجنة الفنية للحوار الوطني أي قيود على مشاركة صالح؛ ولكن إذا قرر صالح الحضور فسوف ينسحب معظم المشاركون ويُقضى بذلك على أي فرصة حقيقية للحوار.
أما الرموز المؤثرة المتبقية الجديرة بالذكر فهما حامد الأحمر - رجل أعمال وقائد حزب الإصلاح - وعبد القادر هلال - عمدة صنعاء، الأحمر رجل قوي ويواليه الكثير بين السلفيين وحتى الجهاديين، ومن المرجح أن يحضر الحوار بل قد يدخل السباق الرئاسي لسنة 2014، وهناك إشاعات أيضًا تقول بأن هلال سوف يكون مرشحًا للرئاسة، وهو شبيه بمحسن وصالح من حيث إنه من سنحان وهو أيضًا رجل عسكري. وفي 12 ديسمبر/كانون الأول قاد حملة تنظيف ناجحة تسمى "شارك" لإصلاح شوارع صنعاء مما جعل عددًا كبيرًا من الناس يهتفون له.
دور الولايات المتحدة
عنيت سياسة حكومة الولايات المتحدة تجاه اليمن في المقام الأول بمحاربة الإرهاب، وقد وُجهت انتقادات للسفير الأمريكي باليمن في الماضي لعدم سماعه لمطالب اليمنيين، لكن السفير يقابل هادي ومحسن والأحمر بشكل منتظم. كما أوردنا آنفًا؛ الحوثيون لا يرحبون بتواجد السفير الأمريكي في الاجتماعات الوطنية، لذلك فإنه من الأفضل – أثناء الحوار – أن يلعب المجتمع الدولي دور المراقب والناصح للحوار الوطني بدلاً من الانخراط فيه.
على مدار العامين الماضيين؛ أدت زيادة هجمات الطائرات دون طيار بشكل مباشر إلى تصاعد المشاعر المعادية للأمريكيين، وهذه هي المرة الأولى في اليمن التي ينظر فيها المواطن اليمني العادي إلى أمريكا على أنها خصمًا لا صديقًا، ومع ذلك؛ أرى التعاون بين الحكومة اليمنية والولايات المتحدة قد وصل إلى أوجه، وهذا يرجع في الأساس إلى حقيقة أن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي هما بمثابة العمود الفقري لهادي في اليمن.
إن أفضل استراتيجية لعلاج هذه العدائية التي طرأت مؤخرًا هي اتباع سياسة مختلفة في اليمن، سياسة لا تنبني فقط على محاربة الإرهاب ولكنها أيضًا تتضمن الاستماع لمطالب الشعب اليمني. أضف إلى ذلك أن شعور العامة بحدوث تقدم في الانتقال السلمي باليمن سوف يمثل دعمًا وتشجيعًا لحالات الانتقال الأخرى غير العنيفة.