أزمة الشرعية في اليمن ليست بالأمر الجديد لكنها أصبحت اليوم على المحك
ترجمه لمقال باللغة الانجليزية نشر في جريدة العربي الجديد
يوم ٣ مارس ٢٠١٥
في 21 فبراير استطاع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أن يفك طوق الإقامة الجبرية التي فرضها الحوثي هاربا الى مدينة عدن في الجزء الجنوبي من البلاد. وماهي الا سويعات حتى بثت قناة الجزيرة الفضائية بيانا ذيله عبدربه "برئيس الجمهورية اليمنية"، معلنا سحب استقالته.
فعمليا الأن نجد اليمن تعيش في عهد رئيسين سابقين (هادي وعلي عبد الله صالح)، وفي ظل قوة مسلحة لزعيم ميليشيا متمردة (عبد الملك الحوثي)، والعديد من الحركات الانفصالية (فصيلين من الحراك الجنوبي، وحراك في مأرب، والحراك التهامي). مع وجود لجنة انتقالية تدعمها الأمم المتحدة، واتفاقيتين انتقاليتين (مبادرة مجلس التعاون الخليجي للعام 2011 واتفاقية السلم والشراكة الوطنية للعام 2014). مع كل ما سبق يحدث ارباك في المشهد، والأحرى بنا أن نسأل، من يملك الشرعية فعلا؟
لقد أصبحت مسألة الشرعية نقطة محورية في المشهد السياسي اليمني على الرغم من أن البلاد عانت من أزمة شرعية منذ فترة طويلة. فالبعض يبرر شرعية هادي بالمبادرة الخليجية وما ترتب عليها من التزامات قانونية أخرى. ومع ذلك، فالشرعية السياسية، بحسب الفيلسوف جون لوك، هي المستمدة من "موافقة المحكومين". الشرعية تعني من المعترف به والمقبول من قبل الشعب بكونه "الأنسب" أو "الأصلح" للحكم. فمع وجود عدة متصارعين على الأرض، قد يكون هادي هو الرئيس القانوني لليمن لكن هذا لا يعني بالضرورة انه هو الشرعي.
مشكلة متجذرة منذ عقود
هناك عدة أشكال للشرعية السياسية، والتي عانت منها اليمن منذ عام 1962 في الشمال و 1967 في الجنوب. حيث فشلت الدولتين حديثتي الاستقلال في ممارسة السلطة بالطريقة التقليدية سواء بالإمامة، أو السلطنات، أو بالعرف القبلي. حكم صالح شمال اليمن ثم اليمن الموحد لفترة 33 عاما متذرعا بالديمقراطية والشرعية الدستورية، وفي واقع الأمر، كان نفوذه مركزيا وكان ادواته خليطا من الاستبداد، وباسم الدين، والتحالفات لقبلية، والعسكرية.
كما أن الكاريزما التي يتمتع به صالح كقائد منحته الشرعية في أوساط النخبة الحاكمة. وعند تنحيته عن السلطة في العام 2011، تصدع ذلك النظام الذي قام ببنايته. كما أن الوساطة الخليجية أفضت الى ترقية نائب صالح، الذي هو هادي، الى رئيس اليمن الجديد بعد انتخابات دون منافس يذكر. وأتت حكومة الوحدة الوطنية والتي أعطيت فرصة لكسب ثقة الجمهور وإقامة دولة القانون المنشودة.
وفي الوقت نفسه، قام المجتمع الدولي مع النخبة الحاكمة بوضع خطة انتقالية يتم تنفيذها على مدى عامين. بدأت البلاد بعد ذلك بفعاليات مؤتمر الحوار الوطني، في الفترة من مارس 2013 إلى يناير 2014، على أمل صياغة دستور جديد يؤسس لدولة مدنية حديثة. كما أن الحكومة –وكما هو متوقع منها-عملت تحت إشراف جهات متعددة ابتداء بمجلس النواب، والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، ومحكمة الأموال العامة، والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، مما يوحي لنا أنها في المسار الصحيح.
أن مؤتمر الحوار الوطني استمد سلطته من نخبة تكونت فيما بعد الثورة، ومن قوى خارجية فاعلة ممثلة بالمجتمع الدولي. فبينما تم ترتيب أوضاع ومتطلبات الحوار الوطني بشكل جيد، كانت الحكومة تعاني الامرين في توفير الخدمات الأساسية للمواطن. وبالتالي شهدنا انهيار العديد من المؤسسات العامة، بما في ذلك النظام العسكري والقضائي. وعلاوة على ذلك، فان معايير المساءلة لتلك المرحلة فشلت في تحقيق أهدافها. أما البرلمان الذي يعود لانتخابات العام 2003 أصبح فاقدا للشرعية، كما تم الطعن في تعيينات الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد يكونه إجراء غير دستوري لمخالفة التعيينات لأبسط المعايير المطلوبة. أما باقي أجهزة الحكومة فلم تكن في أفضل حال، فالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة مثلا لم يقم بدوره، وأصبح أداة للكسب غير المشروع في يد القائمين عليه.
التدهور في المرحلة الانتقالية
مستغلين ما حصل من تدهور في المرحلة الانتقالية، قام المتمردين الحوثيين بالاستيلاء على العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 وبعدها بأيام قليلة، قاموا بالتوقيع على اتفاق السلم والشراكة مع هادي وأحزاب المعارضة. وفي يناير 2015، قدمت الحكومة التي لم تدم لشهر مع الرئيس هادي استقالاتهم، ليبقوا تحت الإقامة الجبرية. وفي الوقت نفسه، خرج الحوثيين، المستمدين لشرعيتهم من سلطة دينية – كونهم من "أهل بيت رسول الله" – ليعلنوا شرعيتهم "الثورية كما يدعونها"، متحدثين باسم الشعب اليمني.
ولكن اليمنيين لا يعترفون ان للحوثيين (أو حتى لحكومة هادي) “السلطة في الحكم" لكل ارجاء اليمن. وفي حقيقة الأمر يبدوا أن النخب السياسية فقدت اتصالها بالشعب، وهم يدركون ذلك حيث انهم نادرا ما يتحدثون عن الانتخابات وتجدهم يسارعون في الوصول الى توافقات، لا يعدوا كونها مهدئ لمشاكل الشرعية في اليمن.
منذ العام 2011، وضعف أداء الحكومة، وعجزها عن حماية مواطنيها دفع اليمنيين الى البحث عن وسائل أخرى توفر لهم ذلك، مما أدى الى اتساع الهوة بين النخبة الحاكمة ومحكوميهم، ووفر بيئة لظهور الزعامات الصغيرة، وعودة المظاهر القبلية القديمة، والسعي لاستحداث أشكال مختلفة للتسلط؛ مستمدين شرعيتهم ممن يتبعونهم. كل ذلك أسهم سلبا في تعزيز الاختلاف والفرقة، ومثل أرضا خصبة لصراع قادم لا محالة.
أن المخرج الآمن لليمن واليمنيين مما سبق من تعقيدات يتمثل في بناء دولة ذات سلطة مدنية وحكم رشيد تمثل جميع الأطياف، من خلال العمل الجاد والمخلص من جميع الفعاليات السياسية، يتم من خلال إجراء انتخابات شفافة ونزيهة كإجراء حتمي لبناء علاقة بناءة بين الحكام ومن يحكمهم. من خلال اعطاء السلطة للشعب، وعندئذ فقط يمكن أن يكتسب الحكام شرعيتهم.