من أجل ضمان التعافي والتحول في اليمن: أولويات ورؤى

١٠ مايو ٢٠١٢ 

أجرى اليمن انتخابات رئاسية في شهر فبراير من هذا العام 2012 بوجود مرشح واحد هو عبد ربه منصور هادي، حيث يهدف يمن ما بعد الثورة إلى ممارسة ديمقراطية أكبر بعد أن ظل تحت قيادة رجل واحد طوال الثلاثين عاماً الماضية. لذلك لابد أن يكون النظام الجديد منفتحاً ويرحب بالحوار، وأن تضع الحكومة نصب عينيها أنها صنيعة الشعب وعليها أن تبقى من أجله. وقد بدأت عملية من الإصلاحات التدريجية عقب الانتخابات، حيث شمل حكومة الوفاق الوطني، حيث ضمت أعضاء من مختلف الأحزاب السياسية، بينما بدء التخلص التدريجي من حلفاء الرئيس صالح في الجيش واستبدالهم بعناصر جديدة. ويتحتم على الحكومة ممارسة الحكم الراشد وتطبيق القانون إن أرادت اكتساب الشرعية والقدرة على حكم وإدارة البلاد.

تعتبر هذه الحكومة الانتقالية في أولى ثلاثة مراحل للحكم في فترة ما بعد النزاع. و بينما يمتد طول هذه الفترة إلى حوالى الثلاثة أعوام في معظم الحكومات الانتقالية، إلا أنه من المقرر أن يتنحى الرئيس هادي عن الحكم في شهر فبراير من العام 2014. وتحتاج الحكومة الانتقالية إلى عشرة أعوام حتى تحقق البلاد تعافياً تاماً. تعتبر هذه المرحلة الأكثر حرجاً بالنسبة للحكومة الانتقالية إذ يقع على عاتقها مهمة إعادة الاستقرار، وضرورة تحقيق الإدماج الاجتماعي وتعزيز القدرات في المجالات المختلفة لتجنيب البلاد خطر العودة إلى ما كانت عليه أخيراً أو، أسوأ من ذلك، حرباً أهلية واسعة. لا بد للحكومة الانتقالية من تقدير احتياجاتها بتبصر وحكمة حتى تتمكن من تحديد وجهتها التي تريد. ويوجه العديد من الناس النقد للحكومة الانتقالية واصفين إياها بالعجز وعدم الجدوى، ومهما يكن من أمر فإن الرئيس هادي وحكومته يقفون موقف التحدي أمام إرث ثقيل، ليس أقله النجاح في إيقاف البلاد من السقوط في هوة الدول الفاشلة. إن أكبر تحدي سياسي يواجه الحكومة الانتقالية الآن هو اكتساب الشرعية، وكلما طالت فترة الركود التي تمر بها البلاد الآن كلما قلت ثقة الشعب بها. هنالك العديد من الأمور التي تشغل البلاد اليوم بما فيها الإصلاحات الدستورية والتعاون بين الأحزاب وداخلها والجهود الرامية إلى القضاء على الفساد. كما تواجه الحكومة الانتقالية ايضاً المعارضين في الجنوب وأعوان النظام السابق الذين ينتشرون في كل بقاع البلاد.

ومما لا شك فيه أن الأمن تفوق أهميته ما عداه إذ يقوم مقام الأساس لما سبق ذكره آنفاً. وفي هذا المقام نسترجع ما ذهب إليه مسؤول حكومي قائلاً: " لا تستطيع توفير تنمية بدون أمن، ولا أمن بدون تنمية". ففي غياب الأمن ستستمر حالة عدم الاستقرار وهذا ما يجعل المستثمرين الأجانب يحجمون عن وضع أموالهم في البلاد. ومن وجهة نظر إيجابية، فإن تحسن الوضع الأمني لن يساعد اليمن في جذب الاستثمارات الأجنبية فقط، بل سيؤدي أيضاً إلى بقاء رأس المال الوطني داخل البلاد. أن نفترض أن مسار اليمن نحو تحقيق الحكم الراشد سيكون سهلاً ليس إلا توهما، فالظروف الراهنة تشير إلى أن الطريق قد لا يخلو من عوائق وعثرات. وعلى اليمنيين والمراقبين الدوليين التخلي عن الاهتمام بدقائق الأمور في تناولهم لمسارات العمل التي تتبناها الحكومة الانتقالية حالياً، وتشجيع الجهود التي يقوم بها الرئيس هادي بدلاً عن ذلك. تقع المسؤولية تجاه الحكم الراشد على المجتمع بأكمله، وفي الواقع فإن الفرصة مواتية الآن تحت ظل حكومة الوفاق لتأسيس نظم حزبية في وضع ما بعد الصراعات. وتستطيع الجهات الأخرى الإفادة من فترة العامين لتركيز برامجها واكتساب مزيداً من الشرعية وتوثيق روابطها مع المجتمع، إضافة إلى تطوير أيدولوجيات واضحة وتعبئة مواردها المالية. ويجب على الشعب اليمني ترك سياسة التركيز على الزعامة ودعم شخصيات بعينها بدلاً من برامج سياسية، لئلا تعود البلاد إلى تكرار معضلة العقود القليلة الماضية.

فوق ذلك، فإن المجتمع المدني يمكنه لعب دور كبير في التغلب على الحكم المطلق وتسلط الدولة اللذان عادة ما يملآن الفراغ في غياب حكومة قوية. وفي اليمن، كما هو الحال في جميع البلدان، تستطيع أي مجموعة لا تنتمي إلى حزب سياسي ان تصبح جزءً من المجتمع المدني. وبينما تستطيع هذه المجموعات العمل في مجالات حكم القانون وتطبيق العدالة والتعليم المدني والدفاع عن القيم الديمقراطية، تستطيع أيضاً أن تؤدى دور الستار الذي يعمل من ورائه أولئك الذين لا ينتمون إلى أحزاب بعينها. وقد تتعرض هذه المجموعات للاحتواء من قبل الصفوة في محاولة للحصول على قدر من الدعم النقدي. ولذلك، فلا بد للسواد الأعظم الاعتماد الكامل على الحكومة المؤقتة الحالية.

ينبغي على الحكومة التفكير بترو في هذه العملية حيث أن الفترة الحالية تشكل منطلقاً لليمن نحو مقبل الأيام. كما يجب عليها أيضاً أن لا تضخم الضغوطات التي يفرضها عليها المجتمع الدولي الذي لا يتذرع بالصبر ولا يضع كامل ثقته في العملية الراهنة. ومن وجهة إدارية يجب على الدولة العمل على تأكيد سيادتها وتقاسم السلطة وفقاً للنتائج الانتخابية. وبشكل بات فعلى البلاد أن لا تقنع بمستوى وشكل من الحكم يعيد الأمور إلى ما كانت عليه في السابق بدون تحقيق التحسن والتقدم المرجوين. ستواصل الاعتبارات القبلية والتقليدية تأثيرها على الحكومة وتحد من قدرتها على الأداء بالفاعلية المطلوبة، ولكن يجب على الحكومة توخي الحيطة والحذر والعمل وفق استراتيجيات استباقية وليس بردود الأفعال.

إن تحقيق الحكم الراشد يتطلب العمل عن قرب مع العديد من الشركاء الدوليين والمنظمات العالمية وغير الحكومية. ويشمل هذا التعاون التزام كل من مجلس التعاون الخليجي ومنظمات عالمية بتقديم المساعدات التي لم يتم وصولها بعد. وعلى الرغم من تصريحات المجتمع الدولي بدعمه للحكومة المؤقتة، فإن الواقع يشير بعدم قناعته التامة باستقرار الوضع في ظلها. فعلى سبيل المثال، انخفضت المساعدات الحكومية الأمريكية لليمن أثناء الثورة من 134 مليون دولاراً إلى 64 مليون دولاراً. يبقى على سياسات الرئيس هادي تحديد الأهم: اكتساب الشرعية الوطنية أم الدولية؟

ولو سارت الأمور على ما هو مخطط لها، فسوف يتحقق كلا الهدفين في الأمد البعيد – بيد أنه في هذه اللحظة تبدو ضرورة إتباع نهج استراتيجي. إن إعادة تشكيل الهياكل الاقتصادية ذات الأثر المباشر على أفراد الشعب اليمني هي مستهل الطريق إلى التنمية الشاملة. ولم يعد الاقتصاد اليمني يُحدد وفقاً للقوانين التي تحكم العرض والطلب، بل تحدده بالأحرى القوى التي تتمكن من احتكار الثورة. وسوف لن يدعم الشعب اليمني دولة تقوم على استعباده، إذ أن ثمانين بالمائة من ثروة البلاد تتركز في يد أثنين بالمائة فقط من أفراد الشعب. قد يعني التأهيل الاقتصادي أشياء مختلفة لأناس مختلفين، أما في الحالة اليمنية فيجب أن لا يمثل "عملية تجميل"، بل إصلاحاً شاملا ومتكاملاً. إن إعادة بناء الاقتصاد اليمني كما كان عليه سابقاً سيكون محفوفاً بالمخاطر؛ فذلك بناء تم في ظل نظام غير مستقر. وإعادة بناء اقتصاد اليمن في القرن الحادي والعشرين سيكون حتماً مختلفاً، ويزداد ذلك تعقيداً أمام التحديات الجسام التي تواجهها البلاد اليوم. ففي شهر يناير/كانون الثاني الماضي فقط قدرت وزارة التخطيط والتعاون الدولي احتياجات اليمن لتحقيق الاستقرار بحوالي 15 بليون دولاراً أمريكياً.

تستطيع الحكومة الجديدة تحديد مستقبل البلاد إذا عملت بكل أجهزتها بتوافق وتفاهم. وبينما تقع المسؤولية على جميع أجهزتها، فإن العبء الأكبر منها في تحقيق التعافي العاجل يقع على السيد العرشاني (وزير العدل)، والسيد السعدي (وزير التخطيط والتعاون الدولي)، والسيد الوجيه (وزير المالية)، والسيدة أمة الرزاق علي حُمد (وزيرة الشؤون الاجتماعية والتعاون) والسيد بن طالب (وزير الصناعة والتجارة). إن قضايا الاقتصاد اليمني متداخلة ومتشابكة بحيث تصبح معالجة أي منها على حدة أمراً شاقا إن لم يكن مستحيلاً. ويتطلب بناء اقتصاد معافى حوالى سبعة عشر عاماً ونصف العام في المتوسط، يجب خلالها تقليص الاعتماد على المساعدات والعون الخارجي. كمي يجب على الوزراء المذكورين آنفاً الأخذ بيد البلاد لعبور أولى مراحل الإصلاح، والعمل على تعزيز المساءلة والانتقالية. وفوق ذلك تأتي أهمية المحاكم الفاعلة التي لن يتم إنجاز أي عمل آخر في غيابها. ولن يتأتى ذلك إلا إذا عملت الدولة على إقامة سلطة قضائية قوية ومستقلة ونزيهة تحظى بتقدير الدولة واحترام الشعب ورضائه.

على الحكومة أن تواصل السير بتريث في نهج معتدل حيث أن لا أحد في اليمن حقاً يعرف ما هي الخطوة التالية. وليس هنالك فائزون أو خاسرون في الثورة اليمنية – ولذلك فلا بد لعملية السلام أن تبتكر آليات أكثر ذكاء. ولابد أن تكون السياسات الاقتصادية أكثر واقعية بحيث تأخذ في الاعتبار التجارب السابقة بما فيها من نجاحات وإخفاقات، إضافة إلى توازن يجعلها تجد القبول لدى كافة الأحزاب. يُضاف إلى ذلك، أن الاستقرار في اليمن يتعرض اليوم للخطر الداخلي أكثر من الخطر الخارجي. وقد ركزت معظم سياسات إعادة بناء الاقتصاد في السابق على مواجهة المخاطر الخارجية. وفي عالم اليوم الذي تحكمه العولمة، فإن العديد من الجهات الفاعلة غير الرسمية تلعب دوراً مؤثراً في التنمية. ويستوجب على الحكومة إجراء مسح اقتصادي شامل ودقيق لتحديد الاحتياجات المختلفة للبلاد منذ بدء الثورة. ففي استطلاع للرأي تم حديثاً، أجاب واحد من بين كل عشرة يمنيين أن الوضع الاقتصادي جيد؛ بينما ذكر أثنين وأربعين بالمائة أنهم يعانون بشدة في توفير لقمة العيش لأسرهم.

ومن واجب الحكومة أن تحدد أهدافها التنموية بوضوح، إضافة إلى احتياجاتها وأولوياتها حتى يكون الشعب والمجتمع الدولي على دراية بذلك. وبينما يؤكد معظم الاقتصاديين ما للقطاع الخاص من أهمية في التنمية والنمو الاقتصادي، فمن الأفضل حالياً أن تُركَز الجهود على إعادة بناء مؤسسات القطاع العام، حيث يمثل ذلك استثماراً بعيد المدى أكثر منه مصدراً للنفقات فقط. تفتقر العديد من القرى والمناطق الريفية في اليمن إلى الخدمات الأساسية مثل مياه الشرب والمراكز الصحية والكهرباء. إن تنمية هذه المناطق لا يُحِّسن من مستوى معيشة اليمنيين فقط، بل يعمل على خفض معدلات البطالة المرتفعة والآخذة في الازدياد. وإذا لم تشهد البلاد تقدماً في تحسين هذه المجالات خلال العامين المقبلين ستفقد الحكومة مصداقيتها أمام الشعب.

إن اقتصاد اليمن في الوقت الراهن يعتمد على التغذية الوريدية وهذا ليس بمستغرب إذا وضعنا في الاعتبار ما مرت به البلاد في الشهور القليلة الماضية. وستظل مسؤولية الحكومة في الشهور القادمة توفير المأكل والمشرب والملبس والمسكن والعلاج للمتأثرين جراء الأحداث الأخيرة. وبنهاية ولاية الرئيس هادي يستوجب على البلاد أن لا تعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية، وأن تبدأ في التحول نحو التنمية المستدامة في الموارد المتاحة لديها. ويجب أن تتحول هذه الرؤية من الاقتصاد الكلي إلى الاقتصاد الجزئي. وبما يتعلق بالأخير، فمن الأساسي أن لا تتسرع الحكومة في تطبيق سياسات الخصخصة بعد الثورة حيث أن هذه الخطوة ستعود بالنفع على الذين تتركز الثروات بأيدهم خاصة، وهم ذات الذين أَثْروا بطرق غير مشروعة في ظل الأوضاع المتدهورة للبلاد. وسيساعد تحديد الحكومة لأولويات البلاد واحتياجاتها الملحة والمتوسطة الأمد، المنظمات الدولية وغير الحكومية على توجيه مواردها ومساعداتها الفنية بثقة لرفد جهود التنمية في البلاد.

وفي نهاية الأمر فإن اليمن سيكون قادراً على تحمل مسؤولياته فقط عندما يتم تمكين الاقتصاد الوطني ويشتد عوده بقطاعيه العام والخاص. يضاف إلى ذلك أن اليمن لن يستطيع الاعتماد على المساعدات الإنسانية الخارجية إلى أبعد من الفترة الانتقالية الراهنة. كما أن هذه الموارد غالباً لا تكون تحت تصرف الحكومة المباشر، وبالتالي صعوبة تحديد المسؤولية وعلى من تقع المحاسبة. وهذه من شأنه إضعاف شرعية الدولة وسيادتها والمراهنة بانهيارها. ولا يخفى تلك الصعوبات التي تواجه البلاد في إدارة هذه الموارد، مثل تحديد مقاديرها ومواعيد الإفراج عنها، والتأخير المترتب على الفترة التي تفصل بين تاريخي الالتزام والإفراج من جانب الجهة المانحة. ويلخص ريموند جيلبين، مدير مركز الاقتصادات المستدامة بمعهد الولايات المتحدة للسلام ذلك في قوله: "إن العلاقة بين الدول المانحة والدول المتأثرة بالصراعات كالزواج الفاسد، فبينما يعلم كلا الطرفين بعدم إخلاص الطرف الآخر، لا يريد أي منهما الطلاق". وقد تفرج الجهات المانحة عن مساعداتها في وقت لا تكون فيه مؤسسات البلاد في وضع يمكنها من امتصاص تلك الأموال وتوظيفها على النحو المرجو. وقد يكون من الأفضل للبلاد حالياً توظيف ما لديها من موارد مالية لثبيت العملة بدلاً من تكريسها في أوجه الإنفاق العام.

ومما يُوْسف له أن اليمن قد دخل في التزامات مسبقة وأبرم عقوداً مع عدد من الشركاء في قطاع النفط والغاز الطبيعي، ولولا ذلك لأمكن تأميم هذا القطاع وغيره من الموارد والثروات حتى يفيد الشعب من عائداتها. يفتقر اليمن حالياً للتقنيات والأيدِ العاملة المؤهلة في مجال تكرير النفط. وهناك خطط لتوسيع مشروعات الغاز الطبيعي المُسال في بلحاف ومعبر والحديدة، ولعلها تكون فرصة مواتية لتأميم بعضاً، مع قلته، من الثروات الوطنية. وفوق ذلك هنالك الحاجة الملحة لإعادة النظر في ووضع نظام ضرائبي واضح. وسيواجه هذا النظام حتماً بالنقد والمعارضة الشعبية. ولكن يجب أن لا يثنى هذا الدولة عن إدخاله وتطبيقه بالتوعية والحجة. فقد أقتنع شعب رواندا بدفع الضرائب عندما وضع ثقته في حكومته وشعر أن ما يقوم به واجب وطني عليه أداءه من أجل بناء وإعمار بلاده.

إن البدء في عملية جمع الضرائب لا يعد خياراً في هذا العام أو العام المقبل، ولكن يجب وضع خطة عملية لما بعد ذلك واختيار إدارة لهذه المهمة بكل عناية. وعلى جميع المؤسسات المعنية ممارسة أقصى درجات الشفافية إذا أريد لهذه العملية النجاح. ومن الضروري بناء قاعدة ضريبية عريضة، بحيث يقتسم العبء الضريبي على شرائح المجتمع المنتجة بشكل عادل وواقعي، يضمن استدامه العائد. وحتى ذلك الحين، فبإمكان الحكومة زيادة دخلها عن طريق الضرائب المباشرة. إن حدوث عجز في الموازنة العامة للدولة يجب أن لا يكون مدعاة للقلق إذ أنه، في بعض الأحيان، قد يكون مؤشراً لاستثمار لاحق.

إن برنامج المساعدة الخاص بالحكم الراشد والإدارة الاقتصادية في جمهورية ليبريا يستحق كل اهتمام. فعند بدء هذا البرنامج كانت الأوضاع هناك لا تختلف عن مثيلاتها في دول الصومال المفككة. أما اليوم فتشهد الأوضاع في ليبريا تحسناً كبيراً يعزى إلى الحكومة الانتقالية هناك. عانت ليبريا، مثل اليمن، من الفساد. ولكن في اجتماع عقد في بدايات الألفية، ضم الدول المجاورة والمانحين بالإضافة للجهات المعنية في ليبريا، تم الاتفاق على تشكيل أدارة مشتركة للعون الخارجي من قبل الوزارات المعنية الرئيسة وممثل للمجتمع الدولي. وأوجب هذا الترتيب توقيع الوزير المعني وممثل المجتمع الدولي معاً على كل اتفاقية يتم إبرامها، إضافة إلى عقد خاص يوقعه الوزير المعني يُلزِمه بشروط الاتفاقية وأهدافها. كما أتاح إشراك المنظمات غير الحكومية والمجتمع الدولي رقابة وشفافية أكبر، وليس أقل من ذلك تعرض بعض الوزراء الغير ملتزمين بهذه الترتيبات إلى تجميد الممتلكات والسجن.

ومن حسن الحظ فليس هناك ما يستلزم ذهاب اليمن إلى أبعد من ذلك المدى، ولكن على حكومة الوحدة تركيز جل اهتمامها على الشعب اليمني وتمكينه من تحقيق أولوياته، مع إقرارها بقدرته على الرقابة الذاتية. وعليها أيضاً أن لا تنسى أنها مسؤولة عن قوة عاملة تبلغ 8.6 مليوناً من الأنفس، وأن 52 بالمائة من الشعب لا يجدون العمل، والتذكر بأنها تقف على رأس بلد يعيش 50 بالمائة من شعبه تحت خط الفقر، إضافة إلى أن الأميات يمثلن 60 بالمائة من تعداد النساء والفتيات.

وصفت صحيفة بيزنيس مونتر انترناشيونال هذه اللحظات التي يمر بها اليمن بأنها " تحمل بعض الإمكانات التي تتيح له معاودة النمو في عام 2012. ومع تدفقات المساعدات الخارجية من دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها، فإنه من المرجح أن تتوافر الموارد المالية لدى أي حكومة جديدة لزيادة الإنفاق وحماية البنية الأساسية للصادرات". فالفرصة متاحة الآن أمام اليمن شعباً وحكومة لرسم أهداف واضحة وواقعية واتخاذ خطوات جادة وعملية حتى يتحقق لليمن الحبيب وشعبه الكريم ما يبتغيه ويستحقه حاضراً ومستقبلاً.