"مصائب قوم عند قوم فوائد"

ابريل ٢٤، ٢٠١٥

العنف الذي نشب في مدينة عدن وغيرها من المدن والمحافظات الجنوبية منذ بداية مارس ٢٠١٥م هو عمل غير أخلاقي ولا يخدم اي هدف وطني ولا يبشر باستقرار الأوضاع في اي وقت قريب. ولا يستطيع احد ان يبرر أفعال أنصار الله/الحوثي وداعميهم من القوات الموالية لهم من قوات الرئيس الأسبق صالح في استهداف الجنوب. والأوضاع المأساوية الحالية التي تمزق النسيج الاجتماعي في تعز، إب، مأرب، الجوف، البيضاء، وغيرها من المحافظات لن تفضي إلا الى المزيد من التدمير والافقار والنزوح. هذا كله يحدث تحت قصف غارات وهجمات وتفجيرات عنيفة جداً التي تبين انها لم تستهدف الجيش اليمني فحسب بل طالت البنية التحتية اليمنية المتواضعة جدا (من مراكز صحة، ثقافة وقضاء)، ناهيك عن المؤسسات التجارية وكلها في مناطق مأهولة بالسكان.

وخلال هذه الأحداث المرعبة، قرر بعض الناشطين والناشطات الوقوف مع طرف ضد الاخر، متجاهلين ان الحرب تطال الجميع وبان المواجهات المسلحة والقتل العشوائي لا تعد باي سلام قريب في "اليمن السعيد". وفي هذا المناخ تزدهر الكراهية والتعصب الأعمى ويظن كل طرف انه الضحية وان الطرف الاخر هو الجلاد، الامر الذي يبين بجلاء ان الحرب لا تفضي الا الى المزيد من الدمار والأحقاد والثأر الذي سيؤدي باليمن الى جحيم مستمر ومستعر.

وفي اثناء انهيار ما تبقى من اليمن، نشهد نشوة وحماس لدى المواطنين في الخليج العربي وبالذات لدى المواطنين العاديين في المملكة العربية السعودية ومن السهل تفسير هذا الحماس. ففي شئون العلاقات الدولية هنالك سياسة تسمى ب"التضليل الخارجي" (ترجمه حرفيه) وهي عبارة عن استراتيجية تحول انتباه الناس من الشئون المحلية الى قضية خارجية. عاصفة الحزم ألهت الناس عن عدم رضاهم عن بعض القضايا المحلية سواء كانت اجتماعية، سياسية، او اقتصادية (قضية مشاركة النساء والأقليات، قضية الحكم، قضية الفساد) بمحاربة عدو خارجي تواجد في اليمن. فالعمل العسكري القائم ضد مؤسسات الدولة اليمنية نجح في لملمت ما كان يقال عن خلاف داخل الاسرة المالكة لتبين انهم جميعا يقفوا في صف واحد (على الاقل في الظاهر) ونجحت أيضاً في إظهار المجتمع السعودي كفئة موحدة ولتبين ان لا قلق من اي مواقف لأي أقليات (حتى الشيعة في شرق المملكة الذي أكدوا انهم مع الضربة).

وتستمر هذه الحرب في حث وتطمين المشاعر المتأججة لمعضم أفراد المجتمع السعودي بغض النظر عن مصداقيتها. وهذه الحرب هي أفضل مثال لمفهوم العلوم السياسية المعروف ب"التجمع تحت تأثير العلم" الذي قوى الدعم الشعبي للملك هنالك. ومن عواقب الصحوة القومية السعودية امتدادها خلف الحدود السعودي وانتشارها حتى في اليمن!

وفي اجواء الحرب الأليمة التي سقط ضحاياها الآلاف من اليمنين من أقصى الشرق الى الغرب، انتعشت الرأسمالية في السعودية، فتقوم تجارة "بيتزا هت" بزيادة مبيعاتها بترويج المنتجات بوسم عاصفة الحزم وتباع المجوهرات الوطنية للنساء ليتزين ب"إسويرة" حرب. ولأولئك الذين قرروا البقاء بعيدا عن التبضع، فبإمكانهم كسب المال من خلال المشاركة في مسابقات هدفها إظهار الولاء. بالفعل، مصائب قوم عند بعض فوائد.

فهل من شخص رشيد؟